حراك ملكي لافت في رمضان

بعيداً عن الملفات والأزمات الإقليمية وبالإضافة إليها، فقد قاد الملك حراكاً داخلياً لافتاً خلال الأسبوعين الماضيين محركاً بذلك المياه الراكدة في الجسم الحكومي الذي بدأ في الفترة الماضية نحو السكون، وعدم القدرة في متابعة الأعمال الحكومية والملفات الساخنة التي تواجه الأردن، وبخاصة الملفيْن: الاقتصادي والخدماتي.

تضمن هذا الحراك زيارات ميدانية لبعض المؤسسات التي تُعنى بالتدريب المهني وتلك التي تقدم الخدمات الاجتماعية، بالإضافة الى لقاءات مع الوزارات والمؤسسات التي تُعنى بالملف الاقتصادي والطاقة وغيرها. لن أدخل في تفاصيل تلك الزيارات؛ فهي متاحة لمن يريد أن يطلع على تفاصيلها، ولكن المهم في هذه الزيارات هي الرسائل والمضامين التي حملتها تلك اللقاءات.
بدايةً؛ تأتي هذه الزيارات لتعبر عن الاهتمام الدائم للملك بمتابعة الأداء الحكومي في مجال تنفيذ السياسات التي يتم الاتفاق عليها على المستوى السياسي أو متابعة تنفيذ الخطط والبرامج المنبثقة عنها والتي طالما أكد على أهميتها بالنسبة للحكومة والجهات التنفيذية الأخرى.
الرسالة الثانية التي طالما أكد عليها الملك بتوجيهاته للسلطة التنفيذية؛ هي ضرورة المتابعة الميدانية لمؤسسات الحكومة والبرامج التي تنفذها . فقد كانت مهمة الحكومة أن تتابع سير الأداء في مراكز التدريب المهني ومراكز التنمية الاجتماعية، واكتشاف أوجه الخلل بها، ومعالجتها، وعدم الاكتفاء بالتقارير الورقية؛ إذ كشفت هذه الزيارات عن المشكلات والقصور بالأداء الحكومي، ولتكشف حجم الفجوة بين الحكومة المركزية والمؤسسات التابعة لها، وبخاصة بالأطراف.
أما الرسالة الثالثة؛ فتتمثل في اللقاءات مع الوزارات والمؤسسات المنوط بها تنفيذ السياسات الخاصة بالملف الاقتصادي والطاقة والموارد البشرية، فقد بعث الملك من خلال هذه الزيارات برسالة واضحة مفادها أن تقييم المسؤولين عن هذه الملفات سيكون مرتبطاً بقدرتها على تنفيذ هذه الخطط، وأن الحكم عليها سيكون من خلال "مؤشرات أداء" موضوعية والتي سوف تُعتمد بالمستقبل لتقييم قدرة الوزراء والمسؤولين على تحمل مسؤولياتهم، واستمرارهم من عدمه على رأس هذه المؤسسات في المستقبل وليس من خلال التقارير التي يقدمها المسؤولون عن وزاراتهم ومؤسساتهم.
الرسالة الأخيرة التي تضمنتها هذه الزيارات هي تركيز الملك على العمل الجماعي، وضرورة تكامل السياسات مع بعضها بعضا، والمؤشر على ذلك هو أن أغلب هذه اللقاءات شملت أكثر من وزارة. فبالإضافة للوزارة المعنية، فقد كانت كل الوزارات ذات العلاقة موجودة. فالسياسات المتكاملة سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي هي ما تفتقر إليه هذه الحكومة والحكومات السابقة عموماً. فلا يكفي أن يكون لدينا سياسة بالطاقة أو الاستثمار أو المواصلات أو البطالة أو الفقر على حدة، بل لا بد من أن تكون مندمجة مع بعضها بعضا ومتكاملة لتحقيق الأهداف التي تسعى الحكومة لتنفيذها. إذ يشير الوضع الحالي الى قيام الوزارات المختلفة بوضع سياساتها وبرامجها والعمل على تنفيذها، وكأنها جزر معزولة عن بعضها بعضا. وإذا ما استمرت إدارة الأمور بهذه الطريقة، فلن تتمكن من مواجهة المشكلات المعقدة والمتداخلة التي تواجه الأردن اليوم.
ليس من الواضح إذا ما كانت هذه اللقاءات والزيارات الملكية جزءا من عملية تقييم لحكومة الملقي ووزرائه، ولكن الأكيد أن الملك يقدم رؤية محددة في كيفية تطوير الأداء الحكومي، وقد تضمنت رسائل مهمة للحكومة تقوم على ضرورة المتابعة الميدانية من جانب الوزراء والمسؤولين، وتقديم نهج جديد في تقييم أداء الوزارات والمؤسسات، والتأكيد على ضرورة العمل الجماعي، ووضع السياسات المتكاملة للتعامل مع القضايا والمشكلات التي تواجه الأردن اليوم. نأمل أن تكون الحكومة قد التقطت هذه الرسائل وتعمل بموجبها.