درس في الأخلاق!



أولم على شرف بعض المسؤولين طمعا في إيجاد وظيفة لابنه، وبعد أن شربوا وأكلوا حتى انتفخت كروشهم، أراد أن يقترب من أحد المسؤولين ليشرح له عن تخصص ابنه والوظيفة التي يطمح إليها، جحره أحد المدعوين، وقال له: لا تطلب الوظيفة الآن واللحم لم يهضم بعد. فقال له: وهذا الزفر عن روح جدتي فضية مثلا! فقال له: انتظر، أنا أولمت لهم عشر مرات وإلى اليوم لا يحفظون اسمي، وأنت من أوّل عزومة تريد وظيفة لابنك!
اقتنع الرجل وكرر العزائم، علما بأن ما صرفه على بطونهم يكفي لافتتاح مصنع لولده دون حاجة لوساطتهم، وبعد أن أشاد المسؤولون بمناسف الرجل تجرأ وطلب منهم، فقالوا له: أابشر، وتم إرسال الشاب الى شركة معروفة.
قابل الشاب رئيس مجلس الإدارة ورحب به أجمل ترحيب كونه من طرف الغوالي، وقال له عليك أن تجتاز بعض الفحوصات والمقابلات. تمّ تحويل الشاب الى أوّل لجنة لمقابلته، دخل عليهم وطلبوا منه أن يحمل حقيبة ويخرج بها الى ممرات الشركة، تعجب من الطلب لكنه قام بالتنفيذ فورا دون نقاش، وأثناء تجواله في الشركة اصطدم به أحدهم، فقال له الشاب: عمى يعميك، فرد من اصطدم به: الله يسامحك، فقال له الشاب: أنت حمار، فقال له: لا داعي للغلط أنا لم أكن أقصد. فقام الشاب ولخمه (بوكس) فأسقطه أرضا، ثم تناول طفاية الحريق الموجودة في ممرات الهيئة فهرع امن الشركة والموظفون لثني الشاب عن ضرب زميلهم، فأصابت الطفاية أحد المدراء بالخطأ وسقط مغشيا عليه. دب الرعب والخوف في أنحاء الشركة وكلما اقترب أحد من الشاب لتهدئته ضربه، تحول المشهد الى ما يشبه العمل الإرهابي؛ الدماء تسيل في كل مكان، ومعظم نوافذ الزجاج تم تكسيرها، وهرعت سيارات الأسعاف، ولم يبقَ الا تبني داعش للعملية.
رئيس مجلس الإدارة كان يتابع مفزوعا كاميرات المراقبة، فطلب فورا الشاب مقيدا لمقابلته، وقال له: ما الذي قمت به؟! فقال له: الغبي اصطدم بي وكاد يسقطني أرضا، فقال له: أنا من أرسلته ليصطدم بك لنرى أخلاقك وطريقة تعاملك ومدى قدرتك على ضبط النفس، فطبيعة عمل الشركة تستلزم أن يكون الموظف بأعلى درجات ضبط النفس، ويؤسفني إبلاغك بأنك رسبت في أول فحص وهو فحص الأخلاق، فعاد الشاب الى والده وقال له: رسبت في فحص الأخلاق، ونجحت في فحص البوكس. والشاب يعمل الان على بسطة بطيخ!
مشكلة هذا الشاب هي مشكلتنا جميعا، فنحن من دخلنا كتاب جينيس بأسرع بوكس في العالم!
بعد دقائق من نشر فيديو الوحدات، سرعان ما تم تخوين بعضنا البعض رغم رفضنا لما تضمنه، فضربنا وحدتنا الوطنية بمقتل بسبب مجموعة لا تعبر الا عن نفسها، هزنا الفيديو وسرعان ما جددنا الولاء والانتماء وكأنه عقد صيانة وليس موروثا أصيلا في وجداننا، ولماذا لم يكن الفيديو امتحانا حقيقيا لتماسك جبهتنا الداخلية؟! لو لدينا ثقة بأنفسنا لما كنا بحاجة الى هذا الجدل المعيب.
ما يخيفني حقا هو عدم قدرتنا على ضبط النفس، وسرعة رد الفعل على بعض الحوادث الفردية، فقد لا نخسر البلد بحرب بل قد نخسرها ببوست مدسوس أو فيديو مشين إن بقيت أعصابنا لا تحتمل.