جاج الوطنية..


التقيت قبل أيام بالمهندس محمود ابو غنيمة في لقاء إذاعي، تم بثه على أثير الاذاعة الأردنية في برنامج الاعلام والشأن العام، حدثني فيه نقيب المهندسين الزراعيين عن المستوى المرموق الذي وصل إليه الأردن في صناعة الدواجن، حيث قال إننا حققنا اكتفاء ذاتيا في هذه الصناعة، وسوقنا الأردنية نشطة جدا وتنافس عالميا في هذا المجال، بل وتتفوق عليها في كثير من منتجاتها.. ولا يعني أن خطأ هنا أو هناك يعبر عن فشل هذه الصناعة.

جاء هذا الحديث في إطار توضيح النقيب لمفاهيم مهنية زراعية كثيرة، قال فيها عن الهندسة الزراعية بأنها ليست مجرد فرعين او تخصصين «نباتي وحيواني» بل إن هناك حوالي 128 فرعا للهندسة الزراعية، وتحدث عن صناعة الدواجن بين لاحمة وبياضة، ويتفرع كل نوع إلى عدة تخصصات..

في موضوع الدواجن وصناعتها في الأردن، لا أحد يمكنه أن يتجاهل او يقلل من دور الشركة الوطنية للدواجن، عملاق هذه الصناعة في الأردن ورائدها الفعلي، فتاريخها مع هذه الصناعة وتطويرها وتوسيعها معروف، ونشهده في منطقة الجنوب وفي محافظة الكرك «القطرانة»، وكل مواطن هناك يعرف أهمية الشركة الوطنية لصناعة الدواجن، لا سيما وأن هناك آلاف المواطنين يعتمدون في حياتهم المعيشية على هذه الشركة وسوقها، ولا أتحدث فقط عن المستهلك والتاجر والمزارع، بل عن الموظفين أيضا، الذين يعملون في هذه الشركة، فكثير من شبابنا في قريتنا «الربة» يعتبرون العمل في مصنع الوطنية فرصة وخيار قائم، يتحدثون عنه كلما حاولوا توسيع مداركهم في الاعتماد على أنفسهم، فهذا المصنع عمل على بناء ثقافة تنموية في أذهان الشباب الصغار، تحفزهم للتفكير بالانتاج والعمل.. ولا يمكنني حصر أسماء شباب من هذه القرية، عملوا في المصنع أو عملوا في مجال توزيع الدواجن او تربيتها وتأمينها للمصنع.

الخطأ الكبير الذي تداولناه في الأيام الماضية بعلم وبغير علم، كان له أثر سلبي على الشركة وعلى ثقافة الناس بل وخوف بعضهم على تعثر حياته اليومية، خصوصا ان كان يعتمد في رزقه على الشركة الوطنية او يعمل في مجالات متعلقة بصناعة الدواجن، وهو الجانب الذي ما زال غائبا عن الحديث حتى اليوم، ويبدو أن «السخط على الجنوب « تجلى أيضا، فقد تحدث القوم عن كل شيء وكأنه يحدث في دولة مجاورة ونسوا أو تناسوا أن له علاقة كبيرة بالجنوب الفقير محدود الفرص، والذي يعتبر الشركة الوطنية من استثماراته الكبيرة كما الفوسفات والبوتاس، وأنها شركة أمنت الكثير من الوظائف لمواطنين من الشباب والشابات في الكرك وغيرها، وهو الأمر الذي تجلى بعد أن أصدرت الشركة قرارا متسرعا بإغلاق مصنعها في القطرانة، ثم تراجعت عنه بعد سويعات، كدليل على التخبط الذي طال الشركة وتاريخها وأهميتها وتجاوز على حقائق اردنية مهمة في مجال الاستثمار لها كل العلاقة بالبعد الاجتماعي.

لا أحد يشكك في القضاء ونزاهته، والخطأ الذي وقع في ترويج او توزيع دواجن منتهية الصلاحية خطأ كبير، لا يوجد عاقل الا ويقول يجب معالجته ومعاقبة المخطىء وهذا دور القضاء الأردني الذي أصبحت القضية في عهدته، لكن الجوانب الأخرى من هذه الصورة تتعلق بنا كمواطنين وحكومة وصحافة مهنية وطنية، إذ يجب أن نلتفت إلى كل الصورة ونحيط بحدودها وأبعادها لا سيما الاجتماعية والتنموية ونحن نتحدث عن الجنوب الأردني، الذي كان ومع كل أسف هو مسرح توزيع الدواجن الفاسدة أيضا، الأمر الذي يؤكد أن ما حدث هو خطأ كبير ولا نقول بأنه مقصود او ننفي ذلك..فالأمر يحدده القضاء، ولا نريد تنصيب أنفسنا قضاة فنظلم أنفسنا والناس والوطن.

يجب أن نتعامل بثقة مع الدولة ومؤسساتها، فهي لن تخذل نفسها ولا مواطنيها، ومن هذا الباب نفسه، علينا ان نتحدث بعقلانية وموضوعية، ولا نطلق أحكاما متسرعة على شركة عملاقة في مجال صناعة الدواجن، ولها تاريخ مشرف في هذا المجال، ودشنت استثمارا ناجحا في منطقة تحتاجه، فكان مثاليا وقدم خدمات جليلة للمنطقة وأهلها، كما قدم نجاحا أردنيا وساهم في تحقيق اكتفاء ذاتي في هذه الصناعة، بل وجعلها تنافس صناعات عالمية شبيهة، هذا كله لا يمكن لنا أن نقفز عنه نتيجة خطأ تم تداركه وأصبح في يد القضاء ولم يقل كلمته فيه بعد، لكننا جلدنا أنفسنا وبلدنا والجنوب، فتحدث بعضنا بحديث لا يليق، وتناسى كل الإيجابيات لهذه الشركة، وكأنه فعلا يتحدث عن قضية تقع خارج الحدود ولا تؤثر على الناس وعلى سمعة الاردن وصورته الخارجية، والأهم على مجال الاستثمار.. فقتل مؤسسة بهذا النجاح وهذه الأهمية نتيجة خطأ لم يثبت قضائيا من هي الجهة المتورطة فيه، عمل انفعالي وغير موضوعي ويتطلب عمق تفكير وبعد نظر وحكمة، قبل أن نكيل التهم ونقتل كل جميل ..

الخطأ حدث، وهو الأول من نوعه، ولم يقل القضاء كلمته فيه، ولا نقبل أن يتم التغاضي عنه ونطالب بكشف تفاصيله من خلال القضاء، ومحاكمة كل من تورط فيه، وهذا حق لنا جميعا، ومن حقنا أيضا أن ندافع عن سمعة الأردن وعن الاستثمارات المهمة، وعن حقوق المواطنين، وعن مكاسب التنمية وتوزيعها على المناطق الفقيرة..

ibqaisi@gmail.com