حوار الطرشان.. في سوق العمل الأردني


 

قد يكون العنوان غريبا بعض الشيء ... لكنه يلخص فهمي للدراسة التي اطلقتها منظمة العمل الدولية قبل يومين، حول سوق العمل الأردني.

تقول الدراسة المتخصصة ان» أصحاب العمل والعمال يتشاطرون الأهداف ذاتها، رغم أنهم يعبرون عنها بطريقة مختلفة»، بمعنى ان الاشكالية واحدة، لكنها تشكل هاجسا للطرفين» العمال واصحاب العمل»،وهذا من وجهة نظري ناجم عن سوء التعاطي الرسمي مع قضية التشغيل على مستوى الوطن.

فمن حيث المبدأ تؤكد الدراسة ان الاردنيين ودعوا « ثقافة العيب» وانهم يقبلون على اية فرصة عمل مهما كانت، لكن حماستهم في ذلك تكون مرهونة بعاملي» الاجور وشروط العمل».

بمعنى ان الاردني يقبل على اية فرصة عمل شريطة ان يكون عمله فيها ضمن شروط عمل افضل من حيث ساعات الدوام، وبدل الاضافي، والاجازات وغيرها. ..وكذلك من حيث الاجور.

اما صاحب العمل فإنه يتمسك ـ بحسب الدراسة ـ بنفس الميزات ولكن بطريقة معكوسة، حيث يرغب بتشغيل الاردني باجور منخفضة وساعات عمل اطول، ويشكو من عدم التزام الاردني ومن تركه للعمل عند اول فرصة يحصل فيها على عرض براتب اعلى.

بصورة اكثر تبسيطا، تنحصر الشكوى بين الطرفين ضمن عناوين متعددة، لكنها مختلفة بحسب ما يراه كل طرف فيه مصلحته.

ويبدو ـ من وجهة نظري ـ ان هذا ما يفسر وجود ملايين العاملين من غير الاردنيين سواء اكانوا مهاجرين ـ بحثا عن العمل ـ او لاجئين وباعداد تزيد او تقترب من عدد العاطلين عن العمل من الاردنيين، فالكثير من اصحاب العمل يجدون في غير الاردني ضالتهم، حيث يعمل البعض منهم في ظروف عمل لا تتناسب مع متطلبات الاردني والتزاماته الاسرية والاجتماعية.

فبعض العمال غير الاردنيين يقبلون برواتب متدنية بعض الشئ، ولا يمانعون في ساعات عمل اطول، وممارسة اعمال متعددة قد لا تندرج كلها ضمن تخصص معين.

على سبيل المثال، لا يمانع بعض العمال غير الاردنيين من العمل كسكرتير وسائق، ومساعد في كل الاعمال التي يتطلبها المكتب او المحل التجاري او المنزل، ولا يمانع في العمل ساعات تزيد عن تلك التي يحددها قانون العمل، وقد يوافق على ممارسة كل تلك النشاطات بدون ساعات عمل اضافي مدفوعة، ويكتفي بما يمكن تسميته» اكرامية» مهما كانت قيمتها، يساعده في ذلك تدني التزاماته المعيشية، واكتفائه بما يستطيع توفيره من اجره.

بينما تتم كل تلك الممارسات برعاية وحماية التشريعات العمالية وفي مقدمتها قانون العمل الذي يتضمن الكثير من الثغرات، ويجعل التنافس بين الاردني وغيره ضمن اطار الاساسيات، وفي المجالات التي تمس حقوقه الاساسية.

ويساعد على ذلك قرار الحد الادنى للاجور، الذي يتمسك به اصحاب العمل من اجل» تطفيش» الاردني، واستبداله بشخص من جنسية اخرى، فحتى لو قام بتشغيل الاردني باجور تزيد عن ذلك الحد فإنه يعوض الفارق بساعات عمل اكثر، وبتشغيله في اكثر من مجال، خاصة وان الرقابة على هذا القطاع تكاد تكون شكلية، وان آخر شئ يمكن ان يفكر فيه العامل غير الاردني وصاحب العمل هو الالتزام بتصريح العمل، او حتى ان كان هناك تصريح عمل اصلا فالنسبة الكبرى من العمالة غير الاردنية تعمل بدون تصريح اصلا، او انها مخالفة لتصريحها.

ولعل في التصاريح الممنوحة للقطاع الزراعي ما يؤشر على حجم الظاهرة، حيث تصرف عشرات الالاف من التصاريح كعمال زراعة لكنهم في الواقع يمارسون نشاطات مختلفة لا علاقة لها بهذا القطاع، وتعلن الحكومة بين كل فترة واخرى عن مهلة لتصويب اوضاع المخالفين لكنها تتراجع عن قرارها وتترك الامور كما هي.

باختصار، الدراسة الدولية تشخص واقع العمل والعمال، وتمتد بشكل غير مباشر الى تشريح مسببات البطالة، فهل تستفيد منها الحكومة؟

هذا ما نامله؟