عالم السيارات

أمر مؤسف ومزعج  "وغير إصلاحي!!!" أن تتطور عمليات سرقة السيارات من شكلها التقليدي إلى عمل عصابات منظمة، تقف أمامها كل الجهود الأمنية عاجزة، ما يضطر المواطن إلى الدخول في شبكة من الاتصالات والمفاوضات السرية مع عدة أطراف إلى أن يصل إلى من "يملك" سيارته، ليدفع فدية له وتعود إليه سيارته، لكن بشكل وحال مختلفين بعد تعرضها إلى عدة تغييرات بهدف سرقة ما فيها أو إلحاق الأذى بها.
وحين تستمع إلى قصة من أحد من خاضوا تجربة استعادة سياراتهم المسروقة، تشعر أنك خارج الأردن، وتجد نفسك تستذكر قصص الدراما والسينما المصرية وأفلام "الآكشن" الأجنبية، وتتمنى حينها أن لا تتعرض لتجربة مماثلة، لأن بعضنا قد لا يملك القدرة على الوصول إلى أطراف يفاوضها ويساومها، ولا أن يدفع آلاف الدنانير فدية لسياراته حتى تعود إليه، وقد تحتاج بعد عودتها إلى إصلاح بمئات الدنانير.
أحد المواطنين ممن تعرضوا لتجربة قبل فترة اتصل معي غاضبا. وشعرت أنه متخم بيأس وإحباط من أن الجهات الأمنية وقفت عاجزة عن مساعدته في استعادة سيارته، ما اضطره إلى أن يبحث بالوسائل الأخرى حتى استطاع استعادتها بعد أن دفع فدية لها. ولهذا كان ساخرا مما تتم كتابته والمطالبة به من إصلاح، لأنه يشعر أننا لا نتحدث في أمر مهم بينما تتحول سرقة سيارة أي شخص إلى قصة معاناة، وتقف الجهات المعنية عاجزة تتفرج على المسروق ليبحث عن حل مشكلته بيده.
من المؤكد أن الجهات المعنية تعلم كل التفاصيل التي نذكرها أو لا نذكرها، ولديها كل القصص والحكايات، وتعلم عمن يتحدث الناس، وتدرك أن كل مواطن تتم سرقة سيارته يقوم بالتبليغ عنها وعندما يجدها أو يستعيدها بعد مفاوضات ودفع ثمنها الجديد يقوم أيضا بتبليغ الشرطة وإغلاق المحضر. لكن يجب أن نعلم أن وجود هذه القصص والوقائع وتكاثرها وانتشارها يترك أثرا على صعيد ثقة المواطن بالجهات الرسمية، ويشعر الناس أن هناك مناطق خارج الدولة وسيطرتها، والأخطر أن يشعر أي مواطن أن عليه أن "يدبر نفسه" ويحل مشكلاته بيده، لأن الجهات المعنية غير قادرة على إيجاد حل مع علمها بالجهات التي تقف وراء السرقات.
لو كانت السرقات من النوع التقليدي الذي يقوم فيه شخص بسرقة سيارة مفتوحة ويقودها لغايات التسلية عدة ساعات ثم يركنها في شارع فرعي بعد نفاد البنزين أو خوفا من الشرطة أو بعد سرقة المسجل، لو كانت الأمور هكذا لاعتبرناها سرقة غير منظمة وغير محترفة، لكن عندما يصبح وراء كل سرقة حكاية وعملية منظمة وأكثر من جهة تبيع وتشتري وتفاوض، فعندها يصبح الأمر من النوع الذي يحتاج معالجة جذرية، لأنه لا يتوقف عند سرقة السيارات أو العبث وسرقة مسجل أو نظارة فيها، بل هي سرقة للقانون واعتداء على هيبة الدولة وترك المواطن مضطرا لأن يبحث عن وسائل غير معتادة ليستعيد حقه ثم يخبر الشرطة بما فعل ليتم بعدها إغلاق ملف السيارة، بينما يتم فتح ملف أكبر في عقل المواطن وقناعاته.