أسوء صورة من صور الثورات العربية

أسوء صورة من صور الثورات العربية

20 / 6 / 2011م

                                                                 محمود عبد اللطيف قيسي

لا شك أن تمرد الشرق الليبي المسلح وبؤرته بنغازي ضد النظام الشرعي الليبي الذي يمثله نظام العقيد القذافي ، يعتبر ويمثل أسوء صورة من صور الثورات العربيات التي أخذت تجتاح دول الوطن العربي نتيجة لفعل إعلامي قبيح بطلته قناة الجزيرة القطرية الناطق الرسمي باسم حكومة قطر ، ولتداخلات واستراتيجيات الدول الغربية التي أخذت تعيد حساباتها بالحرية والاستقلال العربي ورغبتها بإعادة توزيع مناطق نفوذها بعد فوضى ارتباط الأنظمة العربية بالعديد من العلاقات الدولية مع دول الغرب وبآن واحد ، ولنشر قواعد عسكرية لها لمواجهة المقلق القادم أمام إسرائيل ، أو بسبب الظلم الذي حاق ببعض الشعوب العربية نتيجة للقمع والاضطهاد الفكري والديني والسياسي وحتى الاقتصادي الذي مارسته بعض النظم الحزبية الشمولية ،  فهذه التي سميت ظلما وزورا وعدوانا وغلوا بالثورة لا شك ألحقت الأذى بالكثير من التطلعات الشعبية العربية نحو الحرية والديمقراطية والتي أخذت تجتاح دول عربية وإقليمية أخرى ، وربما أفشلت أو قزّمت مسعاها لإسقاط نظمها التي ما زالت تمارس حكما جهويا وعنصريا بغلاف ديني إسلامي ثوري كإيران ، أو حزبيا شموليا بغلاف مقاوم كسوريا .

 

 

 

فالثورة الليبية التي لاقت الأرضية الحاضنة لها شرق ليبيا ، واشتعلت بفعل تداخل ومصالح الآخرين المعادين لنظام العقيد والحاقدين عليه اللذين عرف عنهم الكيل بمكيالين ، الأول يحمل الموت والدمار للعرب والمسلمين ، والثاني يحمل المال والسلاح والاعمار لدولة إسرائيل ، وبسبب أحقاد شخصية على نظام العقيد من أشخاص كانوا على صلة بكل نظام العقيد عرف عنهم حبهم للجاه والسرقة والسلطة وممارستهم الحكم الشمولي الدكتاتوري ، واختيارهم لغة العنف وأسلوب البطش بالمعارضين المؤيدين للنظام الليبي تحت المسمى والحس الأمني الثوري حتى قبل التمكن من السلطة ، والذي قيمته مؤسسات حقوق إنسان كثيرة على أنه يصل إلى درجة جرائم ضد الإنسانية ، واللذين عرفوا قانونيا وأخلاقيا بالقافزين من سفينة النظام للإفلات من المتابعات والتبعات القانونية مثل وزراء الداخلية والعدل ،  المسؤولين مسؤولية مباشرة عن التجاوزات الأمنية والاقتصادية التي حدثت في ليبيا قبل التمرد ، وعن شلال الدم الليبي الذي أريق على يد الناتو ، ومنهم ويوازيهم الطليعة الليبية المعارضة التي تعيش خارج ليبيا من حملة الجنسيات الغربية وتدرب قادتها في مباني الاستخبارات العالمية العسكرية والإعلامية والمعنوية لتنفيذ مآرب تلك الدول بأوجهها المختلفة ، وترغب بقيادة ليبيا في المرحلة القادمة توافقا مع الرؤية الإستراتيجية الغربية للمنطقة ، ودليلها الرسالة التي حملها الفرنسي من أصل يهودي برنارد ليفي لإسرائيل لطمأنتها على مستقبل وموقف ليبيا السلمي تجاه إسرائيل ، وللعلم فإن دور ليفي في ليبيا شبيه إلى حد كبير بالدور الذي قام به الأمريكي بول بريمر في العراق قبيل وأثناء وبعد سقوط بغداد .

 

 

 

كما واشتعلت الثورة الليبية ( التمرد المسلح ) ووجدت أرضية مناسبة للتمدد والتوسع بسبب تآمر وخيانة من مجموعات داخل ليبيا تعاقدت مع الصنفين السابقين على تخريب ليبيا ، منهم فئة الجنائيين الفارين من سيف العدالة ، ومنهم شلة الفاسدين من صناعيين كبار وتجار الحاصلين على سلف ومنح وقروض مالية من الحكومة وخططوا لسرقتها بعد إظهار رغبتهم بعدم تسديدها فوافقوا على الاشتراك بالتمرد وهؤلاء نموذجهم في مدينة مصراته الليبية ، ومنهم خلايا الزاحفين من العرب وعجم من شيعة تابعين لإيران وحزب الله يتهمون ليبيا بإخفاء أو قتل موسى الصدر ويرغبون بالإطاحة بنظام العقيد بهدف إيصال ليبيا للدولة الضعيفة الفاشلة ، أو من قوات تمثل بعض الدول الخليجية ترغب بالانتقام من شخص العقيد الذي أزعجهم في أكثر من مؤتمر قمة عربي ، أو من خلايا تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ترغب بإقامة إمارات إسلامية في ليبيا الغد ، وعددها أكثر مما يتخيل أو يتوقع المهتمين بشأن ومستقبل ليبيا ، ومنهم جيش المأجورين ( المرتزقة ) وغالبيتهم من عمال مصريين وتونسيين وهم بصفوف الثوار تحت مسميات ( الأخوة من الثوار العرب ) ، وهم يتقاضون من المجلس الانتقالي الليبي يوميات من ( 500 ) إلى ( 1500 ) دولار حسب المهمة والجبهة

 

فهذه الثورة الليبية ( التمرد المسلح ) المدعومة بالناتو وقوى الغرب الصليبي إن نجحت ، تمثل منعطفا تاريخيا سيئا لعودة وسيرة تاريخ عربي دموي ليس ببعيد ، كان عنوانه مجموعة الانقلابات العسكرية الغير شرعية التي ميزت خمسينات القرن الماضي ، ولكن هذه المرة بحقيقتها الانقلابية وبصورتها العسكرية وبصفتها الثورية المدعومة من الغرب ضد الدولة والجيش والنظام والمؤسسات ، والتي اختزلت كلها برأس النظام وأسرته للتمكن من إلغاء شرعية الدولة والدستور وإحلال شرعية الثورة ( الانقلاب ) مكانها ، مع القناعة الأكيدة عند كل الليبيين والمراقبين وصانعيها في الغرب أنها تمرد مسلح كسب شرعيته من البندقية ومن بعض الإعلام العربي الكاذب المؤازر للصهيوني والغربي والموجه ضد النفسية والشخصية الوطنية العربية .

 

 

وهي إن نجحت تمثل نجاحا للدول الغربية بقدرتها على صياغة الوطن العربي ضمن خارطة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الجديدة التي رسموها للمنطقة خلال الخمسين سنة القادمة ، والتي تخلوا من خارطة دولة فلسطين ، وعدد الدول العربية الجديدة فيها يفوق عن الثلاثين ، ونجاحها يعتبر نجاحا كبيرا لها بفضل الجزيرة ثم قطر لتوفيرها أقصى قدر من الخسائر البشرية والاقتصادية الغربية ، فالقاتل والقتيل عربي ، والدم المهدور عربي ، والمال المسروق عربي ، والنفط المنهوب عربي ، أما الشركات الاقتصادية والأمنية والعسكرية التي ستسرق كل شيء وتستعبد الشعب الليبي وتعين الحكومات والنظام الجديد وترسم السياسات الليبية الخارجية وستعيد إعمار ليبيا والتي تقدر خسائرها التي تسبب بها الناتو بأكثر من 500 مليار دولار ، فهي الشركات الغربية المنشأ والأهداف التي أصحابها جنرالات الحرب والاقتصاد الجدد من غربيين وقطريين .

Alqaisi_jothor2000@yahoo.com