ما خفي من القصة


قدمت حكومة د. هاني الملقي قرار تخفيض النفقات كخطوة إصلاحية من طرفها، لكن ثمة ما لم تقله الحكومة بين ثنايا القرار الإيجابي والمطلوب.
في التفاصيل، أن مجلس الوزراء قرر ضبط وترشيد وتخفيض الإنفاق الحكومي، بتخفيض النفقات للوزارات والدوائر والوحدات الحكومية بمبلغ 204 ملايين دينار.
وبموجب ذلك التخفيض، فإن مجموع الإنفاق العام بالموازنة المركزية والوحدات المستقلة سيهبط من 10.506 مليار دينار إلى 10.302 مليار دينار، ليكون مجموع التخفيض قرابة 2 % من إجمالي الإنفاق.
القرار يتضمن تخفيض النفقات للعام 2017 بنحو 1ر174 مليون دينار موزعة بواقع 100 مليون دينار للنفقات الجارية، و1ر74 مليون دينار للنفقات الرأسمالية.
وتبعا للتخفيض الحكومي سيصبح مجموع النفقات الجارية 7421 مليون دينار، إلا أنه يبقى كذلك أعلى من مستويات العام الماضي والبالغة 6.9 مليار دينار.
وتضمن القرار تخفيض النفقات في قانون موازنات الوحدات الحكومية للعام 2017 بمبلغ 9ر29 مليون دينار موزعة بواقع 5ر13 مليون دينار للنفقات الجارية، و16.4 مليون دينار للنفقات الرأسمالية.
بالعودة إلى تفسير القرار، ما لم تفصح عنه الحكومة أنها تأخرت كثيرا في اتخاذ هذه الخطوة، ولم تستجب أبدا لفكرة تخفيض الموازنة العامة كأساس للإصلاح المالي المطلوب، بعد أن توسعت الحكومات كثيرا في الإنفاق كما لو كنا دولة غنية.
أيضا، لم تشرح الحكومة بأن القرار جاء نتيجة القصور في تنفيذ الأهداف المالية المطلوبة والمتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، وتحديدا نسبة عجز الموازنة وقيمته المطلقة، فلم تحقق الإيرادات المطلوبة والمقدرة في قانون الموازنة العامة، رغم كل القرارات الصعبة التي اتخذتها خلال العام الحالي.
اما النقطة الأهم؛ فإن الحكومة لم تلجأ لمزيد من القرارات الجبائية القاسية، ليس لإيمانها بأنه لم يعد لدى الأردني قدرة على دفع مزيد من الضرائب، بل لأن قناعة قوية لدى مطبخ القرار بأنه لا يمكن الاستمرار في جباية الأموال من جيوب الأردنيين، وأن على الحكومات أن تجد طريقا ثانيا لحل مشكلاتها المالية، ومن هنا جاء تخفيض النفقات.
الفكرة أن إصلاح الأحوال المالية يحتاج إلى تخفيض نفقات، وهذا يجب أن يكون توجها عاما وقناعة راسخة، إذ لا يستطيع الأردن أن يمضي نحو استقرار مالي ونقدي في المستقبل بدون الالتزام بهذا المعيار كقاعدة لإدارة المالية العامة.
ثم على الحكومات الاقتناع بأن الحلول السهلة المتمثلة بجيب المواطن، باتت كلفها المعنوية على الدولة أعلى بكثير من الأموال التي تجنيها الخزينة، وبالتالي عليها حذف هذا البند من خططها لأنه لم يعد بإمكان المجتمع تحمل مزيد من الضرائب، وهي المسألة التي تحتاج إلى عمل طويل وتفكير عميق، خصوصا أن الاتفاق مع صندوق النقد ينص على ذلك صراحة، ولم يعد في جيوب الناس ما يكفي لتغطية الاحتياجات.
من هنا علينا البحث عن أسلوب جديد يركز على أبواب جديدة للإيراد يرتكز أولها على وقف الفساد، تحديدا الصغير المتفشي في المؤسسات والذي يفقد الخزينة أموالا طائلة، وثانيا معالجة التشوهات في البيئة الاستثمارية التي "تطفش" المستثمر، وتنفيذ هذه الأفكار يحتاج فقط إلى إرادة ويليها سيادة قانون ما تزال عائمة وغير واضحة المعالم.
رغم ما خفي خلف الخطوة، يلزم الاعتراف أنها جيدة، لكنها لن تكفي إن كانت لمرة واحدة، تعود بعدها الحكومة للتوسع في النفقات، بدون ضوابط.