الأردن من أغني البقاع على وجه الأرض



نعم، ولا أبالغ، ولكن على رأي الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم " تحلب قنطار .. لكن مسلوب" فهي من أغنى بقاع الدنيا بالفعل، وقلما تجد بقعة بمساحتها وعدد سكانها أجتمعت فيها كل هذه الثروات كما أجتمعت في الأردن.

على رأس هذه الثروات، الثروة البشرية، فأكثر سكانها الستة ملايين  نسمة يملكون قسطا وافرا من التعليم والثقافة والوعي، فهي تحتل المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في التعليم، الأطباء بلغوا أكثر من واحد وعشرين ألفا، وهم الأعضاء في نقابة الأطباء وحدها، وأثنان وثمانون ألف مهندسا، وهم الأعضاء في نقابة المهندسين، ثلهم يعملون خارج الأردن، وأنظروا معي كم عدد الباحثين في مجال البحوث والتطوير حسب ما ذكرته دورية (نيشر- الطبيعة) العلمية ٢-١١-٢٠٠٦، ذكرت أن عدد الباحثين وصل لألف باحث لكل مليون شخص في الأردن، وبهذا تكون أعلى من أيطاليا وتساوت مع  بريطانيا، وقس على هذا التقدم في المجالات الأخرى والتي لا تقل عن المجالات التي ذكرناها.

وأكثر هؤلاء منتج أو يعمل أو يقود عملا سواء في الأردن أو خارجها، ووصل ببعضهم أن يتقلد مناصب عليا في بعض دول العالم، ناهيك عن من صاروا وزراء ضل وحكام ضل أيضا في بلدان قريبة.

كما أن هناك رجال أعمال أردنيين بلغت إستثماراتهم كافة أنحاء المعمورة، كما أصبحت الأردن قبلة للمستثمرين العرب وغير العرب، ناهيك عن تجار الحروب ولصوص القضية من العراق ولبنان وفلسطين والذي أصبحت إستثماراتهم تضاهي إستثمارات كبار رجال الأعمال، والمؤلم أن هؤلاء قد تم إعفائهم من أبسط القيود والتي فيها خير للشعب الأردني ككل وذلك لصالح أفراد أقلة في حين تفرض القيود على المستثمرين الأردنيين في الداخل، أيضا لا ننسى بأنه لا زال الأردنيين من أصول فلسطينية يرتبطون بأعمال شتى في فلسطين، كذلك الأشراف ومنهم من يحكمون الأردن، لهم إرتباطات بأعمال عديدة في الحجاز، كما أن لهم أوقافا ودخلا ثابتا كفلته لهم جميع الدول الإسلامية منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا، هذا على المستوى المدني.

أما على المستوى العسكري، فحدث ولا حرج، فعشرات الألوف من العسكريين الأردنيين يتم الإستفادة منهم أو خبراتهم في مختلف دول العالم وفي قوات حفظ السلام الدولية، ومنهم من يعمل بشكل دائم كما في بروناي وبعض دول الخليج العربي، وحتما سيؤدي هذا الى دخل مميز.

ثم تأتي الزراعة، فهي من أنجح الدول في العالم العربي زراعيا، وحظاها الله  بثلاث مناطق جغرافية مناخية وهي غور الأردن والأراضي المرتفعة والبادية الشرقية، ومصدرة وبوسعها تصدير المزيد دون الأضرار بسعر السوق لو كانت هناك وزارة زراعة فعلية تقوم على أمور المزارعين، فلم يعرف من مهمات هذه الوزارة سوى فرض القيود التي أجبرت المزارع على ترك أرضه ليفتش عن مهنة أخرى، ولا أدل على ذلك من أن المهندس الزراعي الذي حول البادية الشرقية من صحراء قاحلة الى جنة، تركها وهاجر! بسبب قيود وزارة الزراعة، قائلا: أفضل أن أكون راعي أغنام على أن أكون مزارعا في ظل هذه القيود، ومع ذلك ثمة دخل لا يستهان به من الصادرات الزراعية.

ثم تأتي الصناعة في الأردن فهي في تطور مستمر ومصدرة لبعض الصناعات، خاصة بعد أصبحت مركز جذب للإستثمارات العربية والأجنبية، أيضا لوفرة الموارد الطبيعية فيها كالبوتاس الفوسفات، حيث تعتبر الأردن ثالث دولة مصدرة للفوسفات في العالم، ومن أغنى دول العالم بمخزون الصخر الزيتي، وفي المرتبة الحادية عشرة عالميا بين دول العالم في مخزون اليورانيوم، هذا غير الأملاح والغاز الطبيعي والحجر الكلسي.

  ثم تأتي الصناعات الطبية حيث يصدر الدواء الأردني لستين دولة في العالم، ووصل أن تصدر ثلاث أضعاف ما تستورده من الدواء، ومع ذلك ثمة قيود على الصناعات الطبية، بل أن دواء مشهورا مخصصا للأطفال حتى الآن مقيد تصنيعه في الأردن لأن شخصا نافذا يستورده بشكل دائم!، مع أن هذا الدواء الأجنبي طعمه مر ولا يستسيغه الأطفال ومن يريدون تصنيعه لديهم إمكانية تصنيعه بطريقة تفوق جودة الدواء الأجنبي وبطعم حلو دون أن يفقد جودته، لكن يبدو لي أنه رغم مرارة هذا الدواء الأجنبي إلا أمواله أحلى لذلك المستورد.

ثم تأتي الرعاية الصحية فالأردن الأول في هذا المجال بلا منازع، حيث تستفيد العديد من الدول العربية من مستشفياتها ومراكزها الطبية، وتشمل الرعاية الصحية أدق العمليات الجراحية وعلى درجة عالية من النجاح من زراعة القلب والكلى وحتى زراعة شبه لسان كما جرى مع الشاعر اليمني الذي عولج في الأردن مؤخرا بعد بتر لسانه، وقد بلغ الدخل الناتج عن السياحة العلاجية مليار ومائتان ألف دولار أميركي لعام ٢٠٠٩ .

ثم تأتي السياحة التعليمية والتي وصلت عائداتها عام ٢٠٠٦ على الأردن ما يقرب من ربع مليار دينار أردني، وبالطبع لا زالت الجامعات والمراكز التعليمية في إزدياد وأعداد الطلبة من الخارج من العرب وغير العرب في إزدياد.

ثم تأتي ثروة النفط والمياة والتي يوجد شبه إجماع على أن الأردن يفتقر إليها، بالطبع هذا لا يعقل فمنطقة بهذا الإنخفاض لا بد وأن يكون فيها، وكل الدول التي حولها تحوي هذه الثروة.

ثلاثة دول وهي الأردن السودان واليمن تم تقييدهما لفترة طويلة من إستخراج ما تملكاه من نفط - الأردن قيدت حتى من إستخراج المياه - وذلك من الجارة السعودية، وذلك لأسباب عديدة منها الخوف على المخزون السعودي ولجعل هذه الدول ضعيفة إقتصاديا، ثم الخوف من إستقواء هذه الدول عليها، اليمن والسودان أستطاعتا أن تتحرر من هذه القيود; اليمن بشكل جزئي، والسودان تحررت بالكامل بعد مجيء عمر البشير للسلطة وأستخرجت ما لديها من نفط.

قبل فترة سمحت الأردن بالنقيب عن النفط وكانت النتيجة مبشرة، إلا أن سلطة المصادر الطبيعية أنكرت ذلك، رغم أن الشركة المنقبة "ترانس غلوبال" أكدت وجود النفط وبكميات تجارية، وحدث تضارب في الأقوال مما يوحي بأن القيود لا زالت، وكم أتمنى لو تتم الإستفادة من الخبرات الفنزويلية والسودانية في هذا المجال والإبتعاد قدر الإستطاعة عن الشركات الأمريكية والبريطانية، بسبب الإبتزاز الذي تتعرض له هذه الشركات من الجارة نفسها، كما حدث في السودان في بداية التنقيب عن النفط فيه.

أما بالنسبة للمياة فمصيبتها لاتختلف كثيرا عن النفط فأهم مخزون مائي هو حوض الديسي والذي بدأ العمل بجر المياه منه قبل ثلاث سنوات الى العاصمة عمان ومدن أخرى، وكانت الأردن مقيدة في إستخراج المياه منه لفترة طويلة لأن جزء من هذا الحوض يقع داخل الأراضي السعودية، ولا ندري ان ظلت بعض القيود، فلا زالت ثمة أمور تبعث على الريبة.

طبعا لم نتحدث عن الدخل الذي يأتي من السياحة بشكل عام، والتي يتوفر فيها ما يجذب ملايين السياح سنويا كالأماكن الدينية والمواقع الأثرية والمشاتي والمصايف والينابيع الطبيعية والشواطئ ..

هذه الدخول مجتمعة تشكل رقما مذهلا في دولة عدد سكانها ستة ملايين، ولكن حين ننظر الى مستوى دخل الفرد فيها حيث تأتي الأردن في المركز مائة وسبعة عالميا، حينها سنرى خللا خطيرا بحاجة الى مراجعة ماسة وعاجلة، فالوضع كمن صنع طائرة وعجز في النهاية عن صناعة مفتاح لتشغيلها، وصناعة مفتاح تشغيلها يتمثل في محاربة الفساد، كما أن اللجنة التي تم تشكيلها لا تكفي بل بحاجة الى رفدها بالمزيد من الأسماء وبالذات من المتخصصين في المجالات التي ذكرناها آنفا.

أما الفاسدون فقد يكون لدى الكثيرين منهم وقتا ليراجعوا ضمائرهم فيه قبل أن تصل لهم يد العدالة، وكم عجبي أن يظلوا طلقاء وهم الذين يدمرون الوطن ويخنقون المواطن فيه في حين يسجن البسطاء على كلمة.

ولتكن لهم عبرة في ما جرى مع غيرهم من الفاسدين في بلاد أخرى حين فضحوا على رؤوس الأشهاد ولاقوا مصيرهم الذي يستحقوه جراء لصوصيتهم، وليأخذوا العبرة من الفاسدين الذين تمت تجميد أموالهم في الخارج وضاعت هباء والتي ما أكتسبوا سوى إثم جمعها، وليأخذوا المثل من أثرياء أمريكيا الذين تبرعوا بنصف ثرواتهم من أجل شعبهم وهي الثروات التي جمعوها نتيجة عمل وكد وفكر لا سرقات ولصوصية ومحسوبيات، بل أن ملك المايكروسفت "بيل قيت" وعد بالتبرع بكل ثروته، وتأملوا فيما قال وهو الغربي المتحرر" لن أترك لأطفالي المزيد من الأموال لأن كثرة الأموال تفسد الأطفال!" وكيف ببعض الفاسدين الذين كدسوا ثروات لا تنتهي لأولادهم، وفوق ذلك مالا حراما.

تذكروا أن هناك من الأسر لا تستطيع تدبير قوتها، تذكروا الذي صرخ في البرلمان وهو يطلب ما يعيل به أطفاله، وأعلموا بأن مثله كثر لكن لا حيلة لهم سوى الدموع، وغيرهم ممن تقطعت بهم السبل بسبب هؤلاء الفاسدين، كيف يرتاح ضميركم حين تتركون الدنيا وكل هؤلاء في رقابكم....