سدين.. خطفك الفساد والتقصير وقلة الحيلة
بكيت، بكيت بحرقة على سدين إبنة التاسعة حينما شاهدت المأساة على شاشة " الأردن اليوم " وتقرير هناء الأعرج عن وفاة الطفلة التي ماتت لأن والديها لا يملكون ثمن العلاج ولأن الإعفاء الطبي من الديوان الملكي لم يتوفر بعد .
بكيت على سدين لأنني تصورتها حنين إبنتي وعامر إبني وأن يحصل لهما ما حصل لسدين، فأي وطن هذا الذي لا تملك عائلة تغطية علاجها فيه، لمن الولاء ؟ ولمن الأعتزاز ؟ فالوطن الذي لا يعالج أولاده، لا يعلمهم، لا يوفر لهم فرص العمل، والكرامة، لا يستحق التضحية .
ندفع ثمن مواطنتنا وفق الدستور بالولاء والضريبة، ويفترض خدمة العلم ولكنها مؤجلة أو ملغاة بقرار حكومي، فيبقى الولاء ودفع الضرائب، مقابل الأمن والتعليم والصحة والاستقرار والطمأنينة، وإذا افتقدناها، فما قيمة هذا الوطن ؟ .
سدين توفيت لأنها لا تملك ثمن العلاج، وتقصير الطاقم الطبي في مستشفى الرحمة، لا الممرضة قامت بواجبها ولا الطبيب استنفر يؤدي واجبه، فهو يتعامل مع الحالة المرضية باعتبارها رقماً يُسجل له وعليه، وليس باعتباره إنساناً له روح ومكانة وعائلة وأمل ورهان .
قد يكون الطبيب قرفاً من ضغط العمل وتدني الراتب وثقل المسؤوليات ولكنه في نهاية الأمر بشر، لديه أطفال يحزن لمرضهم، ويتعب من أجلهم، فهم زينة الحياة الدنيا، ولكن عليه أن يتصرف كما يجب مع سدين وكأنها طفلته، لا باعتبارها رقماً طبياً لا قيمة لها، فالواجب المهني والوظيفي والإنساني أن يكون معها طبيباً وإنساناً .
ما سمعته من أبو سدين يلخص مأساة شعبنا، مع نفسه ومع ظروفه وقسوة الحياة الأقتصادية والإجتماعية والسياسية، كلامه لو استمع له الأردنيون يوم الخميس لخرج رواد المساجد في مظاهرات احتجاجاً على التقصير الطبي والإداري والإنساني من قبل فريق مستشفى الرحمة التعليمي في إربد .
ما الذي حرّك شعب تونس نحو ثورة الربيع العربي، انتحار البوعزيزي !! وما الذي حرك شعب مصر ؟؟ إضطهاد الشاب خالد سعيد الذي فقد حياته على يد رجال الأمن !! وما الذي جعل مظاهرات المغرب متواصلة ؟؟ الشاب المغربي الذي طحنته حاوية البلدية بعد أن صادروا كمية سمك وطحنوها في الحاوية فسارع للحاق بها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من سمكه المصادر فخطفته الحاوية مع سمكه، وهكذا فقد حياته، وتم خطفه وسمكه من قبل حاوية البلدية .
ويتبين أن لكل شعب قصة صغيرة، تتحول إلى حالة وظاهرة، فهل ننسى كأردنيين إنتفاضة معان 1989 التي تحولت إلى انتفاضة وطنية عالجها الراحل الحسين العظيم بالحكمة وأعاد للأردنيين بعضاً من حقوقهم الدستورية المعطلة طوال مرحلة الأحكام العرفية .