الدَّولةُ ضدَّ الدَّولةِ

عدة حوادث تنبئُ عن ضعف جزئيٍ للدولة، الأولى مداهمةُ الشرطة بقيادة متصرفٍ مطعماً سياحياً مرخَّصاً، واقتيادُ روّاده إلى المخافر، وبهدلتهم!! والثانية مداهمةُ الشرطة لحافلة سياحية، لإلقاء القبضِ على صبيّتين لأنّهما كانتا "تتناولان إفطارهما" وهما على سفر، ولكنَّ راكبةً لم ترَ من دينها إلا أنه سيفٌ فوق رؤوس العباد، وسطوةٌ تعطيها الإذنَ بالاستهتار بالقانون وبالشرعِ الذي تظنُّ أنَّها تطبِّقُه، استهجنت أن تتناول مسافرتان (تبيّن أنهما مسيحيتان) طعامهما في حافلةٍ سياحيّةٍ مسافرةٍ، يُفترَضُ أن تقدّمَ للمسافرين فيها ماءً ومرطبات، بغضِّ النظر عن أنّه شهر صوم، لأن لا صوم َواجباً على مسافرٍ أو مسافرة.. ولكنَّ المسافرةَ السلفيةَ المشرب، الإسلامويّة المنزع، الأُميّة في المعرفة الشرعيّة، رأت في إفطار الفتاتين "تطاولاً" على الإسلام، و"انتهاكاً" لحرمة رمضان، بينما هو قانوناً وشرعاً، لا يتعارضُ مع قانون أو شرع.. فاتّصلت المرأة التي تحوّلت فجأةً من مواطنة عاديّة إلى مخلبٍ من مخالبِ داعش، فاتصلت بالشرطة، التي قامت بدورها، مشكورةً على حميّتها الدينيّة واستجابتها السريعة في مطاردة المفطرات والمفطرين!!!، بإيقاف الحافلة وإلقاء القبضِ على الفتاتين، ثم تركهما في العراء وحيدتين!!!

والحادثة الثالثةُ هي تداعيات اشتعال الفتنة وحوادث القتل والثأر وتبادلِ إطلاق النار في بلدة الصريح، قرب مدينة إربد، بين العائلات، على خلفية مشاحنات عشائريّة، في حين أن الدولة تتفرّج لأنها مشغولة في مطاردة المفطرين والمفطرات في رمضان.
يحدثُ في بلدي أنّ الدولةَ ضدّ الدولةِ، عندما تتخلى عن دورها المنوطِ بها لإقامة دولة القانون، فتقيمُ دولةَ الترعيب والسلفيّة باسم الدين.. يحدثُ أنَّ المحافظَ يعلنُ أنَّه سيضرب بيدٍ من حديد على من تسوّلُ له نفسهُ بـ"المجاهرة" بالإفطار في "الشهر الفضيل". ويحدثُ أنَّ وزارةَ السياحةِ ترخّصُ مطاعمَ "تسمح" لها أن تفتح في "الشهر الفضيل" وتقدّم الطعامَ إلى الناسِ دون أن تسألهم عن دينهم أو أسبابِ إفطارهم. ويحدثُ في بلدي أنَّ متصرفاً أدركتْهُ السلفيّةُ الصحراويّة، فاقتحمَ مع الشرطةِ، مطعماً مرخّصاً، ليقتادَ روّادَه ويذلَّهم، مع أنهم في حيّزٍ مغلق ومرخَّص قانونياً، ضارباً بعرض الحائطِ وطولِه وارتفاعه، بالقانون الذي يُفترَضُ أن يحرص على تطبيقه!!
يحدثُ في بلدي أنَّ الدجاج الفاسد يُقدَّم أعطياتٍ إلى الغلابة، وأنَّ ما نأكل وما نشربُ يمرُّ على أجهزة رقابةٍ ينخرها الفسادُ، وأننا نصدّرُ السموم فترجعُ إلينا، وأنّنا نتناولها ونحن سعداء بنعمة المبيدات، وأنّ وزارتي الزراعة والصحّة تستمرّان في الكذب على الشعب.
يحدثُ في بلدي أن الطفلةَ سدين تموتُ لفساد جهاز التداوي في البلد، لأن أرواح الناسِ وصحّتهم ليست من شواغلِ الدولة، لأنَّ الفقيرَ والفقيرةَ ليس لهما في بلدهما حصةٌ تبقيهما على قيد الحياة..
يحدثُ في بلدي أنَّ الدولةَ تعملُ على إضعاف الدولة بقراراتٍ رعناءٍ وإدارةٍ هوجاءٍ وحسٍّ خالٍ من أيِّ مسؤوليّة!!
يحدثُ في بلدي الآن أنَّ علينا أن نقاومَ هذا الانهيار لأننا نحبُّ بلدنا.
وبهذا دعونا لا نفقد الأمل!