من مدارس أفقية إلى مدارس دائرية ولولبية



الأمة العربية تلفظ أنفاسها الأخيرة، وبخاصة أنفاس أعضائها الأربعة، ولا يوجد من يداويها من أمراضها العضال التي أصابتها بالانقلابات العسكرية وتداعياتها التي انتهت بالحروب الأهلية والعودة إلى العقلية البدائية القائمة على السحر والشعوذة والخرافات والأساطير المنافية للعقل.
*****
يوجد في ثلاثة بلدان العربية من الأربعة التي تموت، نوعان من التطهير يجريان على قدم وساق وبالحديد والنار، وهما التطهير دينياً أو مذهبياً، والتطهير عرقياً. أما البلد الرابع الذي ينازع فالتطهير فيه إقليمي. والله إن العربي الصادق ليحزن ويختنق ويطعن من هذا الوضع، ويتمنى لو مات قبل أن يراه، أو لو يمنعه ويموت.
*****
الاتحاد الأوروبي يهمني أمره كثيراً، وكأنني مواطن فيه، فأفرح عندما يقوى أو عندما تنضم دولة جديدة إليه، وأحزن عندما تنسحب منه دولة، أو يهدد الشعبويون بالانسحاب منه. لقد كنت وما أزال أنظر إليه كنموذج للوحدة العربية وأن مستقبلها بوجوده وصموده أضمن من مستقبلها بغيابه، لأنه إذا استطاعت دول وشعوب مختلفة: لغة وتاريخاً ومذهباً.. وعانت مما شاب له الولدان من الحروب التي جرت على مر التاريخ بينها، أن تنسى كل ذلك وتتحد لـ"صنع" مواطن أوروبي، فإنه من باب أولى ان تتحد شعوب الأمة العربية المتماثلة لغة وتاريخاً وديناً وثقافة ومصلحة وضرراً، لتبقى. وبالمناسبة صوَّت معظم المسلمين الفرنسيين لصالح ماكرون العلماني الديمقراطي لأن نجاحه يضمن لهم البقاء والأمن والاطمئنان. لكن لو كان هذان المرشحان في بلادهم لاختاروا ماري لوبين الداعشية لأنها تعزف على أوتار وتصدر ألحاناً يحبونها.
*****
لم يعد العداء العربي لإسرائيل مبدئياً وقوياً كما كان عليه الأمر بالفعل رسمياً وشعبياً في العقود الماضية. لقد صار العداء العربي لها خطابياً أو إعلامياً "خجولاً"، هدفه رفع العتب، بينما العلاقات مع إسرائيل تتمأسس تحت الطاولة أو السجادة وفوقها. أما الدليل عليه فتلاشى الحديث عن تهويدها لفلسطين لأنه تم وبخاصة في القدس والخليل وليس في يافا وحيفا.. فقط.
*****
تُفسِد (بضم التاء وكسر السين) الأنظمة الديكتاتورية سواء أكانت بالفرد الطاغية، أو بالحزب المتفرد، العسكر بتحويلهم من حراس للدولة/ الوطن، إلى حراس للديكتاتور ليبقى ويزول الوطن. كما تُفسِد الشعب (بضم التاء وكسر السين) بتحويل أفراده إلى جواسيس على بعضهم البعض، ليبقى الديكتاتور، ويزول الشعب.
نعم، قد يدفع الخوف الشخصي الوجودي للديكتاتور من السقوط، إلى تحقيق إنجازات شعبوية مثل صنع طائرة، أو صاروخ، أو قنبلة ذرية، أو قمر صناعي، على حساب تطوير بقية القطاعات في الدولة/ الوطن، ولكنه سرعان ما ينهار باغتيال الديكتاتور أو بهجوم دولة ديمقراطية عليه، لأن تلك الإنجازات والشعبية المفبركة لا تعملان.
*****
عندما تزور دائرة الأحوال المدنية والجوازات، أو دائرة المتابعة والتفتيش، في طبربور، تندهش من التنظيم الإداري، والتوزيع الدقيق للعمل والعاملين، ومن التعامل الإنساني مع المراجعين. ويدهشك أكثر دور التصميم المعماري المتجلي في المرافق الوظيفية للدائرة، في تسهيل العمل الإداري.
إن للتنظيم المعماري دوراً فاعلاً في الإدارة والعمل، وهما غائبان من المدارس الحكومية القديمة، التي صممت على أساس خط الإنتاج الأفقي في العصر الصناعي. الهندسة التي لم تعد صالحة لمدرسة اليوم أي في العصر الرقمي.
كانت المدرسة أفقية وإن تحرّك التلاميذ والتلميذات على سلّم التعلم عمودياً. كانوا وما يزالون يتلقون التعليم بالتلقين جالسين ساكتين كالمواد التي يجري تصنيعها أو تركيبها لمدة اثنتي عشرة سنة. أما اليوم فقد صارت المدرسة أو يجب أن تصير دائرية لولبية طيارة، أغنى بالحركة والنشاط اللذين لا ينتهيان. وبتلقي التلاميذ والتلميذات التعليم متحركين وصاخبين في القاعات والمدرجات والمختبرات والمشاغل والملاعب..، وبأن يأتي الأطفال كل صباح فيجدون المدرسة وقد أعيد تشكيل مرافقها بدون ذلك لا يكون في المدرسة إبداع ولا في الجامعة المماثلة ابتكار.