مالك نصراوين يكتب :مستشفى الكرك الحكومي ... والاهمال القاتل
ويستمر مسلسل الاهمال المؤدي للموت في المستشفيات الحكومية ، ومنها مستشفى الكرك الحكومي ، لحالات مرضية يمكن تشخيصها ضمن الامكانات المتوفرة ، واتخاذ الاجراء الطبي الصحيح بشأنها ، سواء بعلاجها داخل المستشفى ، او نقلها لمستشفيات اخرى ، ان لم تتوفر الامكانات .
اخر ضحايا الاهمال في مستشفى الكرك الحكومي ، كان ابن شقيقي ، الدكتور اسامة عاصي نصراوين ، شاب في مقتبل العمر ، يعمل طبيب اسنان ، متزوج ولديه طفل ، وينتظر طفلا اخر خلال الاسابيع القادمة ، ادخل الى مستشفى الكرك الحكومي بعد ظهر الاحد الماضي 12/6/2011 ، اثر ارتفاع مفاجيء بالضغط وصل الى 180/120 ، اعطي العلاج اللازم لتخفيض الضغط ، وانخفض الى 120/75 ، واجريت له فحوص مخبرية في اليوم التالي ، وكانت النتائج طبيعية ، كما علمت من والده ، او لا توحي بخطورة ما ، كما تم تصوير القلب ، وصدر بذلك تقرير اشعة ، ولهذا التقرير قصة اخرى ساتطرق لها لاحقا ، كما زاره صباح اليوم التالي اخصائي باطني ، اي بعد حوالي 16 ساعة ، واوصى له بصورة عن طريق الامواج فوق الصوتية في اليوم التالي ، اي اليوم الثالث ، لا ندري لماذا التاجيل ، فلو تمت الصورة الفوق صوتية في نفس اليوم ، وهو اليوم الثاني لبقاء المريض في المستشفى ، لامكن معرفة خطورة الحالة ، وتدارك الخطر بنقله الى عمان ، هذا ان كان هناك اهتماما كافيا بحالة المريض .
بقي ابن شقيقي في المستشفى طيلة اليوم التالي ، وكان بحالة جيدة كما كان في الليلة السابقة ، ورفض ان ينام شقيقه معه ، وغادره اهله منتصف الليل ، واجروا اتصالا لاحقا معه ، الى ان جاء اتصال المستشفى حوالي الساعة الثالثة من فجر يوم الثلاثاء 14/6/2011 يطلبون حضورهم ، فوجدوه على شفا الموت ، وانتقلت روحه الى باريها خلال تلك الفترة .
لا اريد ان ادخل بتفاصيل طبية ، فانا لست طبيبا ، لكن هناك حقائق علمية يعلمها المواطن العادي من تكرار حالات مرضية معينة ، وهناك اربعة ملاحظات واستفسارات اود طرحها على ادارة مستشفى الكرك الحكومي وهي :
اولا : تقرير صورة الاشعة للقلب ، الذي كتبته طبيبة الاشعة في مستشفى الكرك الحكومي صباح اليوم الثاني ، ومرفق صورة عنه ، يشير في البند الرابع الى وجود توسع في الشريان الابهر ، وهذا يتطلب ابلاغ اهل المريض عن خطورة الحالة ، ونقله الى مستشفى تتوفر فيه امكانية التدخل الجراحي ، لماذا لم يتم ابلاغ اهل المريض بذلك ؟ وهل قرأ الاطباء التقرير ؟ وان قرأوه ، لماذا اهملوه ؟ ولماذا لم نعلم به الا لاحقا بعد الوفاة ؟
ثانيا : عندما طلب الاخصائي الباطني الذي زار المريض صباح اليوم التالي ، اجراء صورة فوق صوتية للقلب في اليوم الذي يليه ، هل طلب ذلك بناءا على تقرير صورة الاشعة ؟ ولماذا التاجيل لليوم الثالث ، الذي كان تاجيلا قاتلا ؟ هل كان يشتبه بالحالة التي ادت الى الوفاة ؟ وان اشتبه بها ، الم يدرك خطورتها وخطورة عامل الوقت ؟ ولماذا لم يبلغ اهله ويطلب نقله لعمان ؟
ثالثا : في الساعة السابعة والنصف من صباح اليوم الثالث ، اي بعد الوفاة باربعة ساعات ، التقينا مدير المستشفى ، الذي عبر عن صدمته بوفاة المرحوم الدكتور اسامة ، واكد انه لا يعرف سبب الوفاة ، فطلبنا منه اجراء تشريح في المركز الوطني للطب الشرعي ، فايد الطلب ، لانه يريد معرفة السبب ، والتعلم من هذه الحالة ، وهذا يوحي بانه لم يكن لديهم تصور مكتمل عن حالة المريض ، والخطر الذي يمثله توسع الشريان الابهر ، الذي ذكر في تقرير طبيبة الاشعة .
رابعا : اضافة للاهمال الطبي السابق ، هناك ايضا اهمال اداري ، وتمويه في نقل المعلومات وتبرير الاهمال ، فقد صرح مدير المستشفى لصحيفة الدستور في اليوم التالي للوفاة ، بان المريض ادخل المستشفى بحالة غيبوبة ، وهذا غير صحيح ابدا ، وهي معلومة مضللة وصلت لمدير المستشفى لتبرير التقصير ، او ناتجة عن الاهمال ايضا بدقة المعلومة ، كما اشار الى ان سبب الوفاة هو انفجار الشريان الابهر ، بعد ان علم بتقرير الطب الشرعي في عمان ، وهو الذي كان في اليوم السابق لا يعلم سبب الوفاة .
وتعقيبا على ما سبق ، اود الاشارة الى صحيفة الدستور ، ومندوبها في الكرك ، الذي قام بنقل تصريح مدير المستشفى ، دون ان يكلف نفسه عناء الاستفسار منا عن الحالة ، وهو على بعد دقائق بالسيارة من موقع العزاء ، واود ان اساله ، لو انعكس الخبر ، وقمنا بابلاغك عن تفاصيل ما حدث ، الا تذهب لتستفسر من المستشفى عن راي اخر ؟ اين المهنية في عملك عندما تنقل معلومة من طرف واحد ، لا يهمه الا تبرير ما حدث ؟ ثم تعدنا تلك الصحيفة اليومية بنشر توضيحاتنا وردنا ولا تفعل ، اين الراي والراي الاخر ؟
لقد كنا نتعاطف مع الاطباء ، في معظم حالات ما كان يسمى "الاعتداء على الاطباء في المستشفيات الحكومية" ، ونتعاطف معهم لضغط العمل الذي يتعرضون له ، لكننا لا يمكن ان نتعاطف مع مقصر ، كان لديه الوقت الكافي لتقدير خطورة حالة مرضية ادت للوفاة ، ولديه تقرير يشير الى هذه الخطورة ، دون ان يكلف نفسه حتى بابلاغ اهل المريض عن الحالة ، كما اننا لا نستطيع ان نفهم ، كيف تمنع نقابة الاطباء ، طبيبا من ان يشهد ضد طبيب اخر ، ارتكب خطأ او تقصيرا قاتلا ؟ هل هو المفهوم الجاهلي لعبارة " انصر اخاك ظالما او مظلوما " ؟ لماذا يظل الاطباء فوق القانون ؟ يمارس بعضهم القتل بالاهمال دون محاسبة رادعة ؟ وهل من مهمات جلالة الملك ان يقوم بعمل وزير الصحة ، يفاجيء جميع مستشفيات المملكة بزياراته ، حتى يرتدع المستهترون بحياة المواطنين ؟
اننا نثق بالقضاء الاردني ، كي ياخذا العدل مساره ، ويعاقب المتسببون بوفاة فقيدنا الغالي ، حماية لكل مواطن ، يقوده حظه العاثر ، للوقوع بين براثن مثل هولاء ، الذين يفترض انهم يمارسون انبل مهنة انسانية .
رحم الله فقيدنا الغالي الدكتور اسامة نصراوين ، والهمنا الصبر على فراقه ، وعلى الم الاحساس بالقهر ، ونحن نرى مسلسل الاهمال الطبي يستمر ، والضحايا في تزايد مستمر .
مرفق صورة عن تقرير الاشعة
مالك نصراوين
20/06/2011