هامش الأرباح في رمضان


تعهدت الحكومة الأردنية باتخاذ إجراءات عملية للحد من ارتفاع الأسعار، وخاصة في شهر رمضان المبارك. وهي تتلقى اقتراحات عديـدة بهذا الشأن، ولكن أخطر ما في هذه الاقتراحات هو أن تتولى الحكومة مباشرة، أو عن طريق المؤسسات الاستهلاكية، تجارة بعض السلع الأساسية وبيعها بالكلفة.

الحافز وراء مثل هذه الاقتراحات، التي تصل ذروتها بالدعوة لإحياء وزارة التموين، هو الاعتقاد الخاطئ بأن السبب في ارتفاع الأسعار يعود لجشع التجار، الذين يحققون أرباحاً طائلة على حساب المستهلك.

في هذا المجال، عدت إلى دراسة «مسح التجارة الداخلية» التي أصدرتها دائرة الإحصاءات العامة، وتغطي سنة 2006 وهي تشمل جميع فئات النشاط التجاري المحلي، بمبيعات حجمها 88ر7 مليار دينار، مما يدل على شموليتها لجميع فروع التجارة المحلية.

بتحليل حسابات التجار، تبين أن كلفة المشتريات تشكل 2ر82% من حجم المبيعات، وأن الرواتب المدفوعة للعمال تشكل 7ر3%، والضرائب 5ر4%، أما استهلاك الموجودات الثابتة فيشكل 7ر0% ومتطلبات الإنفاق الرأسمالي (صيانة وديكور ولوازم) 9ر0% والاستهلاك الوسيط (إيجارات، إعلانات، كهرباء، هاتف الخ) 5ر0% وبذلك يكون مجموع التكاليف في حدود 5ر92% من المبيعات أي أن الربح الصافي لا يزيد عن 5ر7%، وهي نسبة معتدلة، وقد لا يكون لها مثيل في بلدان أخرى، حيث يرتفع هامش الربح إلى نسب عالية جداً، خاصة وإننا لم نأخذ بالحساب أتعاب البائع وأفراد عائلته.

ليس غرضي هنا الدفاع عن التجار وتبرئتهم من تهمة الجشع، فقد يكون بينهم شواذ، ولكن الصورة العامة توضح عدم مبرر تدخل الحكومة، حيث أن المنافسة وحدها حققت هذه النتيجة التي لا تستطيع جهة حكومية أن تنافسها، لأن مصاريفها الإدارية وسيارات المدراء وعلاوات الموظفين ولجان المشتريات والوفود المسافرة للتعاقد تكفي لتحويل هامش الربح الصغير إلى خسارة كبيرة.

ارتفاع الأسعار في الأردن يعود لسبب رئيسي هو أن المستوردات تبلغ حوالي 14 مليار دينار سنوياً تشكل حوالي نصف ما يستهلكه المواطن الأردني. وتخضع هذه المواد لرسوم جمركية عالية ثم ضريبة مبيعات مرتفعة أيضاً، فإذا أضفنا تكاليف الشحن والتأمين والمصاريف الأخرى فلن نستغرب إذا اقترب السعر المحلي للمادة المستوردة من ضعف سعرها في بلد المنشأ.

الطراونه يرد على الفانك

وصل إلى «الرأي» الرد التالي من رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة على مقال الدكتور فهد الفانك الذي نشر في صحيفة الرأي يوم الخميس الماضي بعنوان «الطراونة ينتقد سياسة الحكومة الاقتصادية»، وجاء في الرد:

حمل المقال الكثير من المغالطات وجُلها في الشأن المالي والذي يُفترض أنه من صلب تخصصه، مثلما أنه انزلق وللأسف في ركب المسيئين لمجلس النواب، وعليه استوجب الرد كي لا نفسح المجال أمام المعلومة المضللة لتسود في مجتمعنا. لقد تجاوز المقال وللأسف حدود النقد البناء الذي نؤمن به مرشداً ودالاً على الصواب في خدمة بلدنا، إلى منزلقات وإساءات واتهامات إلى مجلس النواب ورئيسه، نسامحُ بحقنا فيها، لكننا لأجل بلدنا والصالح العام نرد لتوضيح حقائق اقتصادية تجنبها الكاتب أو غفل عنها أو لا يعلمها.

ليس غريباً أن يبادر الكاتب المحترم بالدفاع عن الحكومات، لكن الغريب على كاتبٍ يُفترض أنه خبير اقتصادي، تقديمه معلومات مغلوطة للرأي العام عن المديونية مُدعياً أنها في استقرار في الربع الأول من العام الجاري، وذلك في معرض مقاله الذي جاء بعد يومين من اجتماعنا مع اللجنة المالية النيابية بوزير المالية و»المدراء العامين» لدوائر الجمارك العامة والأراضي والمساحة والموازنة العامة، والذي خُصص للإطلاع على النتائج المالية العامة الربع سنوية. لقد شهدت المديونية ارتفاعاً خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري بما مقداره (459) مليون دينار بزيادة (%1.9) مقارنة عما كانت عليه في الفترة ذاتها من العام 2016، وهو ما يخالف بل ينسف ما جاء في المقال واقتبس منه «ما هي النتائج التي كان رئيس المجلس يتوقع أن تحققها الحكومة ولكنها خيبت أمله؟ الأمور في تحسن طالما أن معظم المؤشرات الاقتصادية في الربع الأول من السنة جاءت إيجابية لدرجة تفوق التوقعات. ويشمل ذلك السياحة وحوالات المغتربين والصادرات الوطنية واستقرار المديونية».

لقد نشرت هذه الأرقام بالأصل في النشرة المالية الصادرة عن وزارة المالية، ولو كلف الكاتب نفسه عناء البحث عنها لربما وجدها منشورة في صحيفتكم الغراء.

كما أود التوضيح أن اجتماعنا في غير مدة انعقاد المجلس وفي هذا الشهر الفضيل، جاء إيماناً منا بمواصلة الرقابة على الأداء الحكومي، وهو دورنا الذي انتُخبنا على أساسه ممثلين عن الشعب الأردني، جنباً إلى جنب مع دورنا في التشريع، وكُنا نتوقع أن يَلقى ذلك القبول والثناء، لا أن يُستغل بطريقة لها ما وراءها في التهجم على المجلس. كما حمل المقال تلميحاً وتشكيكاً بأن الاجتماع شعبوي، وفي هذا إساءة كبيرة تستوجب من الكاتب التفكير ملياً قبيل كيل الاتهام للناس ومنهم النواب الذين قال عنهم بأنهم يوجهون خطابهم إلى الشارع، نعم يوجهون خطاباتهم للشارع فهم من رحم الشارع، يحملون أوجاع الناس وتطلعاتها، ويبرأون من أنفسهم أن يكونوا وكلاء لرأس المال!، فأي معنى أراد الكاتب إيصاله بقوله عن الاجتماع «وليس في خطاب موجه إلى الشارع. وأن تكون لديه -مجلس النواب- انتقادات حقيقية وبدائل عملية لا عبارات إنشائية». وهنا ينزلق الكاتب مرة أخرى في شرك فقدانه للمعلومة الصحيحة، وهو الذي لو كلف نفسه قراءة صحيفته لوجد أن المجلس قدم عشرات المقترحات البديلة للحكومة عن رفع الأسعار، وقد أخذت الحكومة ببعضها وأعلنت عنها ونشرتها في مختلف وسائل الإعلام ومنها الرأي الغراء. ثم ما هي المعلومة التي أراد الكاتب إيصالها بقوله إن «إدارة الاقتصاد الوطني تظل من مسؤوليات السلطة التنفيذية، والمجلس ينتقدها ولكنه لا يحل محلها». أم أنها حشو تتطلبه القفلة لينهي الكاتب مقاله الذي حمل من الافتراءات ما حمل، فمن قال له أن مجلس النواب سيحل محل السلطة التنفيذية في إدارة الاقتصاد الوطني، وغريبة هذه الفرضية، ولا أجد ما يناسب الرد عليها، سوى القول إن الدستور الأردني متاح للجميع ويمكن الإطلاع من خلاله على أدوار السلطات، وهو ما ندركه ونعيه جيداً، ولا نحتاج إلى من يُنظر علينا في ذلك. لقد حملنا الكاتب في مقاله فضلاً عن المعلومات المغلوطة، كلاماً لم نقله، بحديثه عن الخطة (العشرية)، فحديثنا عن تحفيز الاقتصاد جاء بتوجيه الأسئلة للحكومة عن خطواتها التي تنوي اتخاذها، وماذا يمكن أن يساعد مجلس النواب في ذلك، من تشريعات تسهل وتحفز الاستثمار وتسهم في تحفيز اقتصادنا، الذي يتطلب للنهوض به إعادة النظر في السياسة الاقتصادية التي تنتهجها الحكومة. وبتجاوز مقال الكاتب المحترم الذي وجه تساؤلاً لنا «هل المطلوب تخفيض الرسوم والضرائب في ظل انخفاض المنح الخارجية وارتفاع التكاليف المطلوبة لتحفيز الاقتصاد؟». نقول له ولغيره من المدافعين عن نظرية الرسوم والضرائب التي أنهكت المواطنين بأنه رغم الرفع الذي شهدناه منذ مطلع العام الجاري إلا أن الدين العام لم ينخفض، حيث إن إجراءات الحكومة بفرض المزيد من الضرائب وإلغاء العديد من الإعفاءات والزيادة على بدل الخدمات كمضاعفة رسوم إصدار جوازات السفر وتصاريح العمل وغيرها من الإجراءات بهدف ضبط عجز الموازنة العامة وتخفيض نسبة المديونية وتعزيز الإيرادات المحلية، لم تمكن الحكومة من تحقيق أي من أهدافها المالية لضبط عجز الموازنة وتخفيض نسب المديونية. أمام كل تلك الحقائق، كان اجتماعنا مع الحكومة مع تقديرنا لكل جهودها للنهوض باقتصادنا، في إطار الرقابة المستمرة على أدائها، والمراجعة والتشاور وتبادل النصح والمقترحات، بما يُمكن في النهاية من خدمة الصالح العام، وقد جاء في اجتماعنا تأكيد على ضرورة مكافحة كل أشكال التهريب والتهرب الضريبي، ورفد دائرتي الجمارك وضريبة الدخل والمبيعات بالكوادر والآليات اللازمة لتتمكن من القيام بمهامها على أكمل وجه، ولا نظن أن في تلك المطالب ما يدعو للإساءة أيضاً.