أربعون الف إسرائيلي ضد الإحتلال

أربعون الف إسرائيلي ضد الإحتلال
حمادة فراعنة
مظاهرة الأربعين الف إسرائيلي في ساحة إسحق رابين في قلب مدينة تل أبيب على الساحل الفلسطيني مساء يوم السبت 27 / مايو أيار ضد الإحتلال والإستيطان بداية صيف جديدة ومبادرة سياسية مبشرة ، لا تستطيع عين المراقب الصديق والعدو تجاهلها وعدم إعتبارها .
صحيح أن اليمين واليمين الإسرائيلي المتطرف يستطيعون إخراج أربعمائه الف عبر مظاهرة مماثلة دعماً لسياسة الضم والإستيطان وخيار الإحتلال ، لأن موازين القوى الإجتماعية السياسية داخل المجتمع الإسرائيلي مازالت الأقوى لصالح الأنحياز لسياسات نتنياهو وليبرمان وبينيت ومن جاء قبلهما ومعهما ، وهذا ليس مستغرباً لمجتمع تمت صياغة مواقفه والتأثير على تفكيره ودفعه بإتجاه التطرف نظراً لأنه تشكل من مهاجرين أجانب أتوا إلى فلسطين هرباً من الإضطهاد الأوروبي ، أو بحثاً عن حياة معيشية أفضل من حياة الإشتراكية لدى بلدان الأتحاد السوفيتي ، أو إستجابة لسياسات أيديولوجية إستعمارية تناغماً مع بدايات السياسة الأوروبية الإستعمارية بعد إنفجار الثورة الصناعية ، بحثاً عن أسواق جديدة وإستعمار بلدان وشعوب إفريقيا وأسيا وأميركا الجنوبية .
ولكن الصحيح أيضاً أن يخرج عن السياق الإسرائيلي السائد وعن هيمنة الأتجاهات العنصرية العدوانية التوسعية الإستيطانية ، قطاع من الإسرائيليين يتجاوزون الأربعين ألفاً ، يملكون شجاعة مواجهة الأغلبية ، ويرفضون الإحتلال والتوسع والإستيطان ، فهذا مكسب مهم وضروري لصالح عدالة القضية الفلسطينية ومشروعية مطالبها .
مظاهرة الأربعين الفاً ، لم تكن بسبب تحريض فلسطيني ، بل لدوافع إسرائيلية محضة قادتها ودعت لها ونظمتها حركة السلام الأن الإسرائيلية المعادية للإحتلال وللإستيطان وتم ذلك بالتنسيق والشراكة مع حركة ميرتس ، مما يشكل جبهة يمكن أن تتشكل وأن تتطور من داخل المجتمع الإسرائيلي لصالح الفلسطينيين ودعماً لقضيتهم ، وحصيلة هذا الفهم والوعي نحو إدراك أهمية كسب إنحيازات إسرائيلية لعدالة القضية الفلسطينية وشروط إنتصارها ، يتطلب من الشعب الفلسطيني ومن قياداته وفصائله على مختلف توجهاتهم الفكرية والسياسية داخل وطنهم سواء في مناطق 48 أو مناطق 67 ، إدراك أن إنتصار نضالهم على الأرض وفي الميدان يحتاج لعاملين إثنين هما أولاً وحدة النضال الفلسطيني برنامجاً ومؤسسة وأدوات نضال يتم الإتفاق عليها ، وثانياً عبر إتساع مظاهر المعارضة الإسرائيلية للسياسة العدوانية التوسعية الإحتلالية التي تنهجها حكومات تل أبيب المتعاقبة ، مقابل تعزيز مظاهر التأييد والشراكة لصالح المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني من داخل المجتمع الإسرائيلي .
في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، ووفق موازين القوى بين طرفي الصراع ، يقع الطرف الفلسطيني في الموقع الأضعف ، رغم إمتلاكه للعدالة ولقرارات الأمم المتحدة المنصفة ، وإمتلاك العدالة مع قرارات الأمم المتحدة غير كافية لتحقيق الإنتصار ، بل يحتاج الفلسطينيون لعوامل إسناد تدعم نضالهم ، وأهم عوامل الإسناد تلك التي تأتيه من دعم الإسرائيليين لهم ، ليس فقط كي يدلل على عدالة قضيتهم بإنحياز إسرائيليين إلى جانب نضالهم لإستعادة حقوقهم ، بل يوفر لهم عوامل قوة إضافية في مواجهة المشروع الإستعماري الإسرائيلي المتفوق ، مثلما يؤدي إلى تفكيك عوامل وحدة المجتمع الإسرائيلي ، وإنتقال عوامل القوة تدريجياً نحو الجانب الفلسطيني على حساب التفوق الإسرائيلي ، ويعمل على تراجعه وإضعافه .
h.faraneh@yahoo.com