كفانا صمتا



لا يكفي مواصلة استنكار ما تقوم به الجماعات المتطرفة الظلامية من قتل ممنهج في مصر كما حصل من قتل لأقباط آمنين وأطفالهم قبل انبلاج شهر رمضان بيوم، كما لا يكفي الصمت عما تفعله الجماعات الإرهابية السلفية عينها في سورية والعراق ومانشستر البريطانية وغيرها من الأماكن! ولا يكفي القول إن أولئك لا يمثلون الإسلام وكفى، دون أن نتقدم خطوة حقيقية باتجاه معالجة أوجه القصور التي نراها يوميا تكبر وتتوسع، ودون أن نوقف خطف الإسلام من قبل من يمثلون تلك الفئة وتركهم يدعون بالويل والثبور على الشيعة والمسيحيين وغيرهم ممن يختلفون معهم.
يكفينا غض النظر عما يقوم به أولئك القتلة الرامي إلى خلق فتنة طائفية في مصر على غرار الفتنة المذهبية التي خلقوها في العراق وسورية، كما يكفينا غض البصر عن المدارس الفكرية المتطرفة والتي نعرف أنها موجودة، ويعرفها الجميع، والتي ينهل منها القتلة أفكارهم، والاكتفاء بالنظر إلى الجريمة فقط، دون النظر إلى المسبب لها والمحرض عليها! كما لا يكفي إصدار بيانات الإدانة دون اتخاذ خطوات فاعلة لوقف تمدد أولئك القتلة وقطع دابر فتنتهم في مهدها، والوصول لمن يمول ويجند أولئك الظلاميين وينشرهم في أصقاع العالم يقتلون كيفما يريدون ويزرعون الفرقة كيفما يحلو لهم.
لا يكفي مواصلة دفن رؤوسنا في الرمال، وتصديق ما تقوله دول نحن نعرف جميعا سرا وعلنا دعمها للأفكار المتطرفة، ونعرف يقينا دورها في رعاية مدارس فكرية أخرجت أولئك القتلة من جحورهم، وزرعوا في عقولهم أن المسيحي والقبطي والشيعي والعلوي وكل من يخالف توجهاتهم وأفكارهم حتى لو كان مسلما سنيا يجب أن يقتل.
نعرف جميعا أن هناك مدارس أصولية سلفية وصرفت عليها الملايين من الدولارات ما تزال بيننا تكفر كل من يختلف معها، ولكننا ما نزال نكابر ونكتفي بالتصريحات والإدانة والاستنكار دون أن يكون لنا دور في القول للأعوج أنت أعوج، ودعونا نقول لأولئك إنكم تدعمون الإرهاب والتطرف، إنكم تحتضنون قتلة، تسهلون لهم حياتهم ومعيشتهم عبر تلك المدارس الأصولية التي ينهلون منها وجهات نظرهم وأفكارهم التي لا مكان لها في عالم حديث يريد السلام والاستقرار.
سادتي؛ في هذا الوطن الكبير المترامي من المحيط للخليج، كفانا تزويرا للحقائق، كفانا صمتا، دعونا نقول لأولئك القتلة، ولمن خلفهم، أوقفوا فتنتكم الطائفية والمذهبية والاجتماعية، أوقفوا نزيف الدعم، أوقفوا استحلال قتل الإنسان للإنسان، أوقفوا سبي النساء ومصادرة حقوقهن، أوقفوا قتل الأطفال، أوقفوا دماركم لحواضن العرب.
سادتي؛ لا نريد أن نقول إن أولئك يشوهون الدين (وهم فعلا يفعلون ذلك) وكفى، نريد مواقف واضحة وبوصلة لا تحيد وإظهار صورة الدين الحقيقي، الدين الذي نعرفه جميعا وليس دين أولئك الذين يريدون إعادتنا قرونا للوراء، ويعتبرون المرأة متعة لهم وكفى، وينظرون للمسيحي باعتباره هدفا لممارسة شهوة القتل لديهم.
كفانا سكوتا وصمتا، دعونا نبحث في ثنايا الكتب التي تدرس في كل المحافل عمن يريد زرع بذور الفتنة، دعونا ننظر لشاشات التلفاز ونطلع عليها واحدة واحدة لنعرف أيهما يزرع الأحقاد والتطرف، دعونا نستذكر أن داعية قال قبل فترة ان "99 % من إخوانه (ليس إخواننا) في داعش مؤمنون مسلمون صادقون مخلصون"، ومثل ذلك مايزال يترك له الفضاء العربي، عبر قنوات مختلفة، مساحات يتحدث فيها للشباب العربي ويبث فيهم أفكاره ورؤيته ووجهة نظره، ثم نقول بعد ذلك إننا نريد محاربة الإرهاب وداعش!!
سادتي لا يمكن محاربة الإرهاب والتطرف طالما يوجد واحد يترك له الفضاء العربي ليبث فيه سمومه وأفكاره المتشددة، ويترك له حق التأثير على أبنائنا وبناتنا وتجنيدهم تحت ستار الدين والدفاع عنه.