مفهوم آخر للعولمة !



كنت أتحدث في الاستوديو المفتوح ضمن التغطية الممتازة للتلفزيون الأردني لاجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي « دافوس « عن عولمة التعليم في الأردن، عندما استوقفني المذيع الأستاذ صدام المجالي ليلفت انتباهي إلى السمعة السيئة لمصطلح العولمة، فدفعني إلى تفسير ذلك المصطلح من زاوية إنتاج المعرفة بدل استيرادها، والاستفادة من التجارب المثلى للدول التي سبقتنا إلى إصلاح منظومة التعليم في جميع مراحله بما يتلاءم مع ثورة الاتصالات والمعلومات التي لم تجعل العالم قرية صغيرة وحسب، بل أعادت صياغة الحياة الإنسانية كلها في حضن شبكة العنكبوت!


فتلك الشبكة المتينة التي صنعها الشباب المبتكرون قبل أن تتحول إلى عالم متشابك من المصالح بلا حدود، تضعك أمام خيارين، إما أن تكون فاعلا فيها، أو ضحية لها، وذلك الدرس تعلمناه في الأردن في وقت مبكر، ولم يكن أمامنا سوى أن نبدأه من الصف الأول لنرتقي به صفا وراء صف حتى بلغنا اليوم منزلة لا بأس بها مقارنة مع الدول النامية.

قلت وقتها، وكان الحديث متركزا على أهمية انعقاد هذا المنتدى للمرة التاسعة في بلدنا، أن في ذلك الكثير من المعاني والدلالات بالنسبة لنا، وكلها حقائق تلك التي قالها المشاركون من رؤساء دول وحكومات ووزراء ورجال أعمال حول ما يتمتع به الأردن من أمن واستقرار، وقيم أخلاقية ظهر بعضها في تحمله لأعباء استضافة اللاجئين السوريين، وحربه على الإرهاب، ودعوته للتعايش والتصالح والتعاون بين الثقافات والحضارات، وهي حقائق تتعاظم معانيها في ضوء ما تشهده المنطقة من صراعات ونزاعات وجرائم ضد الإنسانية.

وإذا كان الأردن لا يملك ثروات طبيعية يعتمد عليها في اقتصاده الوطني، فقد صار من الثابت أن موارده البشرية هائلة، وقادرة على سد الفجوة من خلال التعليم الذي صنع القيمة الموضوعية لتلك القوى، ولكن المشكلة تتعلق الآن بحاجتنا إلى فلسفة جديدة للتعليم، وفتح آفاق أرحب لجميع صنوف المعرفة والتقنيات الحديثة، الأمر الذي يفسر ما نسعى إليه من إعادة النظر في منظومتنا التعليمية وفقا لمعايير الحوكمة، وضمان الجودة، وكذلك تغيير الثقافة المجتمعية في ما يخص التعليم الجامعي، والتركيز على العلوم التطبيقية، والتعليم المهني الذي يستجيب لحاجة العديد من المهن التي يعزف عنها الشباب نتيجة تدني الأجور.

ما ليس معروفا لكثير من الناس أن سلم الرواتب المعتمد في ديوان الخدمة المدنية ينعكس كمؤشر لسلم الرواتب في القطاع الخاص، وتلك مسألة سأتناولها في مقال لاحق، نظرا لأهمية البحث عن معادلة مختلفة بالنسبة لسوق المهن من صناعة وزراعة وخدمات، وغيرها، ولكن الأهم من ذلك أن نتوقف وبكامل المسؤولية أمام حاجتنا للاستثمارات الأجنبية الكبيرة والناجحة، التي تستوعب القوى العاملة الأردنية المدربة وتمنحها العوائد المجزية!

ومهما تحدثنا، وفي أي اتجاه، سنجد أن الشباب هم محور حيوية الدولة ومصالحها وتقدمها وازدهارها، وكل ما نفعله يجب أن يصب في هذا الاتجاه، ولعل ما جاء في الكلمة الرئيسة في افتتاح أعمال المنتدى التي ألقاها سمو الأمير الحسين بن عبد الله ولي العهد ما يظهر المستوى الذي يتناول فيه الأردن موضوع الشباب، من حيث القدرة على المشاركة وقيادة الابتكار والتغيير، وحين يطالب سموه بمنظومة دعم تمتد عبر المنطقة ومن خلال الشراكة الدولية، فذلك هو المفهوم الآخر للعولمة الذي يضع شبابنا على قدم المساواة مع الشباب في الدول المتقدمة، لأنهم جزء من رأس مال فكري مستنير ومتفاعل وحضاري، يحترمنا العالم من أجله، وإلا لما كان يأتي إلينا على هذا المستوى الرفيع من التمثيل السياسي والاقتصادي والفكري.

yacoub@meuco.jo