حكومة ومجالس ونقابات ظلّ



صحيح أن ليس لدينا حزبٌ حاكمٌ وحزبٌ خسر الانتخابات، وصحيحٌ أن الديموقراطيّة لدينا تتمثّل فقط في انتخابات برلمانية وأخرى بلديّة، ولكنَّه صحيحٌ أيضاً أنَّ الشعبَ يستطيعُ أن يطوّر أداءه بالإصغاءِ إلى النُّخَبِ، كما تستطيعُ النُّخَبُ أن تنحوَ منحىً مختلفاً في عراكِها من أجل الديموقراطيّة ونشر قِيَمِها. ومن ذلكَ مثلاً أن تعمد الكتل الخاسرة في انتخابات النقابات والبلديات، بل والبرلمان، إلى تشكيل مجالسِ ظلٍّ، تراقبُ وتحاسبُ وتقترحُ خططاً بديلةً. وهو تمرينٌ راقٍ على الديموقراطيّة يُخرجنا من تبادلِ التُّهَمِ، ويُمأسِسُ المعارضةَ والرّقابة والمحاسبيّة.
وإذ ليسَ بالإمكان في ظروفِ أحزابٍ ضعيفة أن يتولى أقواها الأمرَ، فإن كل حزبٍ مهما ضؤلَ شأنه يستطيعُ المغامرةَ بلجنةٍ مقابلِ كل وزارةٍ، أو أن مجموعة من أحزابِ المعارضة تتآلف معاً لتشكيلِ لجنةٍ مقابلِ كلِّ وزارة، وعلى الأقل من تلك الوزارات التي يُعتَمَدُ عليها في رعاية عقولنا وأبداننا وجيوبنا؛ أي التربية والثقافة والصحّة والزراعة والاقتصاد. وهي خطوةٌ باتجاه تشكيل جبهاتٍ قويّة تخشاها الحكومات، وتعمل حساباً لها.
ولا ينبغي أن تقتصرَ الفكرةُ على النقاباتِ والأحزاب فقط، بل إن منظمات المجتمع المدنيّ والروابط مطالَبَةٌ بأن ترصدَ الأداءَ الرسميّ، وتتنبّهَ إلى الخلل فيه. وليسَ ذلك فحسب، بل التدرّب على الحُكمِ والتطوير التقني من خلالِ مجالسِ ظلٍّ تدرسُ وتنتقدُ وتقترحُ، ولا تكتفي بالصراخِ وكيلِ الاتّهاماتِ. لقد فوَّتت الكتلةُ التي خسرت الانتخابات في رابطة الكتاب فرصةً ذهبيّةً لتشكيل هيئةِ ظلٍّ تراقبُ وتحاسبُ وتخطّط، بدلَ المعارك اللفظيّة التي قادتها، حيثُ انفردت الهيئة الحالية في تمييعِ الفعلِ الثقافي، ودفعه باتجاه اليمين المتخلّف. وكان بالإمكانِ، بدلَ الانقسامِ، أن ينهضَ جسمٌ متماسكٌ معارضٌ، لا يكتفي بالنقدِ السلبيّ، بل يُقدِّمُ رؤاه، ويجمعُ حولَه المختلفَ والمتنوّع.
وإذ الأمرُ ينطبقُ على الروابط، فإنّه يجري أيضاً على المجالسِ العليا الرسميّة، ومجالسِ الإدارة وغيرها، من مثل مجلسِ التربية ومجلس الإعلام ومجلس التنمية البشريّة ومجالسِ إدارة أو أمناء الجامعات والمؤسّسات وغيرها. وبعضها مجالسُ كارثيّةُ الأداء، لا تبصرُ واقعاً، ولا تُعنى بتطوير، وتكذبُ كذباً صُراحاً بأنَّها تلحقُ بالعصر، وتمالئُ، إلى هذا، التيارَ المتأسلمَ المدفوعَ الأجر خارجيّاً، لقاءَ تغييرِ هويّةِ المجتمعِ ونشرِ أيدولوجيا الإرهاب.
يقيناً إنَّ الشعبَ يملكُ الكثيرَ ليوقفَ هذا التدهور التراجيديّ الذي ترعاهُ الحكوماتُ وبرلماناتُها الهشّة، ويصمتُ عليه الشعبُ عمليّاً. فليست المعاركُ على منصّات التواصل الاجتماعي أو الصحافة الألكترونيّة بكافية إلا لتفريغِ شحناتِ الغضب، بينما ينبغي الحرص على توجيهِ هذه الشحناتِ نحوَ عملٍ مُجدٍ ومُجزٍ، منه هذا "الظلّ" الذي يمنهجُ المعارضةَ، ويمكّنها من الأدوات العلميّة والموضوعيّةِ للاختلاف، وللبناءِ أيضاً.
نحو مجالسِ ونقاباتِ وروابطِ ووزارات ظلّ... نعقد الأمل!