انتخابات بلدية وحسم عشائري!

مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية وتلك الخاصة بالمجالس المحلية (اللامركزية) المقررة بالتزامن في منتصف آب (أغسطس) المقبل، يبدو الحراك الانتخابي بمختلف المناطق والمحافظات حتى الآن خجولا، ويدور في أضيق النطاقات، باستثناء حراكات عشائرية هنا وهناك باتت تسعى لحسم اختيار مرشحيها للانتخابات، لتعظيم فرص هذه العشيرة أو تلك بالظفر بجزء من "كعكة" المجالس البلدية والمحلية!
يعود تاريخ نشأة البلديات في المملكة إلى ما قبل عهد الإمارة وتأسيسها العام 1921، وشكلت دائما محركات للتنمية والتطور في البلاد، إلى أن تحولت منذ ثلاثة عقود تقريبا، إلى عبء تنموي وخدمي كبير، ومصدر لاستنزاف الخزينة العامة بعد أن بات الكثير من البلديات، ومن ضمنها الكبرى، مزارع نفوذ وترضيات سياسية واجتماعية، وغابت الإدارة العلمية والقانونية لصالح السياسة ومراكز النفوذ، ولصالح الحسابات الانتخابية أيضا.
لم تعدم العقود الثلاثة الماضية تسلم مجالس بلدية مناسبة ومسؤولة لدفة قيادة البلديات، قدمت وخدمت بالتزام وطورت من خدماتها وأدائها، لكن النسق العام –وللأسف- بقي في انحدار، وسجلت في أغلبه تجارب متعثرة أو فاشلة، أوصلت البلديات اليوم إلى أوضاع غاية في السوء؛ خدميا وماليا وقدرة على البقاء والاستمرار!
السؤال الذي يجب أن يطرح اليوم على عشائرنا ومواطنينا، وحتى على القوى السياسية والحزبية التي تستعد لخوض الانتخابات والبحث عن مكان لها في المجالس البلدية والمحلية، هو: ما الذي يمكن أن يقدم لانتشال البلديات من أزمتها، لتكون قادرة على خدمة مواطنيها؟ وهل تكفي صلة القرابة أو المناطقية، أو حتى الوجاهة الاجتماعية والسياسية، دافعا لانتخاب هذا المرشح أو ذاك؟
الكثير من المجالس البلدية السابقة، وإن بدرجات متفاوتة، تتحمل مسؤولية التردي الحاصل في واقع البلديات، من تفاقم مشكلة ديونها، وارتفاع العجز المالي في موازنتها إلى مستويات خطيرة، رغم دفعات الإسناد والإنقاذ من أموال الخزينة والإعفاء من قروض وغيرها، كما تتحمل مسؤولية تراجع الاستثمار وتردي الخدمات إلى أدنى الدرجات.
والشريك الأساسي في المسؤولية عن الوصول إلى هذا الواقع البلدي المزري هي الحكومات المتعاقبة ومؤسساتها الرسمية التي شاركت، من جهة، في إثقال كاهل البلديات بتمرير مئات وآلاف التعيينات الفائضة عن الحاجة لغايات الترضية السياسية والاجتماعية حتى استولت مخصصات الرواتب والأجور على النسبة الأكبر من الموازنة على حساب مخصصات الاستثمار والخدمات، ومن جهة أخرى غيّبت الأجهزة الرسمية رقابتها ومتابعتها لأداء وقرارات البلديات ومجالسها، وأهملت المحاسبة وتركت الحبل على الغارب حتى تفاقمت أزمة العمل البلدي إلى المستوى الحالي.
ما على الناخب للبلديات أن يطلبه ويشترطه في من يترشح لانتخاباتها هو توفر الكفاءة والأمانة والقدرة على الإدارة، فقضايا ومشاكل البلديات كبيرة وغير قابلة للمغامرة مرة أخرى بإيصال أشخاص غير كفئين وغير متحلّين بالمسؤولية والأمانة.
يجب أن يحمل المرشح عند طلبه لصوت ناخب البلديات رؤية وبرنامجا واضحا لمعالجة أزمة المديونية في بلديته، وارتفاع عجز موازنتها، وكيفية معالجة مشكلة تكدس كوادرها والبطالة المقنعة لدى بعضهم، إضافة إلى رؤيته لكيفية تعظيم الجانب الاستثماري والخدمي.
هذا على الجانب المتعلق بالناس والناخبين، أما الحكومة والمؤسسات الرسمية فالمطلوب منها بكل وضوح وإلحاح كفّ أيديها عن التدخل السلبي في البلديات بالضغط لتمرير تعيينات لحسابات وترضيات سياسية واجتماعية، وغيرها من تدخلات سلبية، فيما عليها أيضا تفعيل جانب الرقابة والمحاسبة على أعمال المجالس البلدية وقراراتها وتعييناتها، وتفعيل القوانين والأنظمة بحذافيرها وعدم تمرير فساد أو سوء إدارة في تلك البلديات، كما حصل في بعضها سابقا.