حتى المناهل!


تناقل مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في أقل من 48 ساعة، صورا لأغطية صرف صحي، منها واحد في مدينة حيفا، مدموغ بجملة بالإنجليزية تقول إنه عائد لحكومة فلسطين، بلدية حيفا، وأخرى لغطاء صرف صحي في يافا، مدموغ بجملة بالإنجليزية، تقول إنه عائد لبلدية يافا، في الجمهورية الفلسطينية العربية!

هي قطع حديدية لا أكثر، ويمكن أن تنتزعها سلطات الاحتلال، ويمكن أن تختفي في أي لحظة، لكن ما شأن تلك الحروف المحفورة على جدران قلوب ملايين الفلسطينيين والعرب والمسلمين؟ كيف تنتزعها إسرائيل؟

مع كل الغصة التي تسببها الذكرى 69 للنكبة، ومقاربتها للسبعين سنة، ثمة كوة أو كوى في جدار العتمة، تتسلل منها خيوط ضوء، يجهد شياطين الليل في كتمها، واقتلاعها من جذورها، ولكن أنى لهم هذا، والقصة ليست قصة بلد واحتلال فقط، القصة أكبر من هذا بكثير، ففلسطين بوابة السماء وسرة الأرض، وهي لا تخص 13 مليون فلسطيني فقط، بل تخص كل من قال لا إله إلا الله، وحتى من لم يقلها، وانتمى إليها ثقافة وحضارة هو ابنها وتخصه كجدته أو جده وأمه وأسرته كلها، وبغيرها فهو مقطوع النسب، ولهذا من يسيطر على فلسطين يسيطر على العالم بأسره، لهذا هي غالية و»ثمنها» باهظ!

-2-

قصة المناهل إياها قصة طريفة، فثمة منهل للصرف الصحي عمره أكبر من عمر «دولة» مسخ، ولهذا يجند علوجها أنفسهم لانتزاع المناهل، لأنها تبصق في وجوههم، وتذكرهم بأنهم حادثون زائلون، عابرون، في كلام عابر، كما قال درويش ذات يوم!

صور المناهل انتشرت سريعاً في تويتر و»فايسبوك» و انستغرام ، ليس فقط بين العرب لكن أيضاً بين أوروبيين ومن الأمريكتين. وكتب بعضهم أنها شهادة واضحة على أن هذه الأرض مغتصبة ، ولها تاريخ تحاول سلطة إسرائيل إزالته. لكن يبدو أن أغطية الصرف الصحي، على ما كتب أحدهم، تدينهم ، وتؤشر إلى أن هذه الأغطية تفوق عمراً ما يزعمون أنه قيام دولتهم .

وسارع المستخدمون إلى كتابة شهادات عائلية وبعضها شفهي نقلوه عن أجدادهم، عن الحياة في حيفا ويافا وعكا والناصرة وغيرها من المدن العربية قبل إنشاء إسرائيل، وكأن صورة الغطاء سمحت لهم بتذكر ما لم يعيشوه هم، لكنه في ذاكرتهم الدائمة. أرض أهلهم وأجدادهم التي سلبت منهم بالقوة، فحضرت كل حياة الأهل، في تذكر مقاهي وقاعات سينما وأسماء أماكن، قبل الاستيلاء عليها ويضطر أهلها إلى تركها لكنهم لم ينسوها ابداً. هكذا كتبوا عن القصة الطريفة، لكن ما كان حاضراً بقوة سلسلة التعليقات التي انهالت بالسخرية على إسرائيل ، فكتب أحدهم أن الصرف الصحي له غطاء عمره أقدم من عمر مزاعمهم ، فيما علق آخر على تويتر : صورة واحدة كفيلة لنقول إن صرفنا الصحي يدينكم ، ودوّن آخر: صرفنا الصحي قبلكم يا ( ) . فيما كتبت مستخدمة على فيسبوك ، نقلت الصورة من صفحة الصحافي الفلسطيني ياسر علي، أن عمر هذه الأغطية يعود الى فترة الانتداب وقبل عام 1947 ، مشيرة إلى أنها تأكيد دائم على أن فلسطين لأهل فلسطين، مهما حاولوا، فالتاريخ لا يمكن محوه . ونقل البعض على فيسبوك معلومات عن تاريخ صنع هذه الأغطية في حيفا، كما تظهر في الصور، حيث أنها انتجت في شركة السكب الفلسطينية ، التي تأسست عام 1931. وتحاول السلطات الإسرائيلية إزالة بعض هذه الأغطية، فقد حاولت تركيب أغطية أخرى، مكتوب عليها باللغة العبرية، وهذا ما زاد من احتجاج الأهالي. وتناقل هؤلاء على صفحات فلسطينية على فيسبوك ، صوراً مشابهة في منطقة المجدل، وبعض أحياء وشوارع يافا وحيفا، وكلها تظهر أوساماً مشابهة، على أنها تعود لبلديات الحكومة الفلسطينية قبل ان تعرف فلسطين نكبتها والاحتلال!

-3-

هكذا إذا، حتى المناهل تقاوم، كما الشجر والحجر، والعصافير، وليس غريبا أن تلاحق تلك المناهل دوليا بتهمة «الإرهاب»، ولكن أنى لعمي القلوب والأبصار أن يدركوا أن فلسطين كانت وستبقى حاضرة، شوكة في خاصرة كل من يحاول أن يلحق بها أي أذى، ولو كان على مستوى إزالة منهل!