د. أحمد المغربي يكتب الدقامسة والعفو العام.. ألا يكفي؟

مع أن مفهوم العفو يتضمن البشرى والفرحة لجميع المساجين، وهو يوحي بفتح صفحة جديدة بين التشريع والقضاء والتنفيذ والمجتمع، وفيه نوع من الأمل بتحقيق العقوبة لأهدافها (مع أني لا أؤمن بأن العقوبة تحقق أهدافها)، وهو يمثل نظرة فيها نوع من التعامل المنطقي مع بعض أفراد المجتمع الذي حشرهم القانون في زاوية وحان الوقت لإعادتهم إلى حضن المجتمع، وفيه إشعار لهذه الفئة بأنها ما زالت في فؤاد المجتمع ووجدانه، وأن المجتمع لن ينسى الابن الضال ويتمنى له العودة إلى الحضن الدفيء، وغيرها من المعاني الكثيرة.
كل الكلام السابق يقال للذي ارتكب فعلا مجرما بنص القانون، وأيضا هو فعل مجرم في نظر المجتمع، أي انتهك نسيج الأمن الاجتماعي، وتعدى على ثوابت الدين والأخلاق والعادات في المجتمع، وهو بهذه الصفة قد أخطأ وعوقب ولو لفترة ثم استحق فرصة إثبات حسن سيره في تيار المجتمع المتحرك.
ولكن الدقامسة كيف يمكننا توصيف جريمته ضمن أطر الضبط السابقة (الدين، والقانون، والعادات، والأخلاق، والوجدان...)؟ ما الذي اقترفه حتى يسجن أولا، ثم حتى لا يطلق سراحه من قبل ثانيا، ثم لا يشمله العفو العام الذي شمل عددا ممن روعوا الأمن والسكينة العامة واستباحوا الأمن الاجتماعي ومزقوا نسيجه ثالثا!
لن نعيد تكرار الأقوال بأن الدقامسة لو لم يفعل ما فعل لكان خرق كل ذلك جملة واحدة، لكلن خرق رأس القوانين وهو الدستور الذي ينص على دين الدولة الإسلام، ولو لم يفعل لكان استهان بقانون العقوبات الذي ينص في الباب السادس منه على الجرائم التي تمس الدين والأسرة، ولكان خدر وجدانه وضميره ولم يلتفتت إلى ضوابط الضرورات الخمس في الدين وأولها حفظ الدين، ولكان انسلخ من أخلاقه التي هي أخلاق المجتمع ولم يهب لنصرة دينه من مجموعة حقيرة من اليهود لا تلقي بالا إلا للاستهانة بنا وبديننا وبحياتنا.
ما قام به الدقامسة هو عمل ناب فيه عنا جميعا، ناب فيه عن كل أردني، وعن كل مسلم، بل عن كل إنسان يؤمن باحترام الأديان، فهو ناب عن مجمل البشرية في عمله، وقد أحس العمل وكان يستحق الأجر على العمل المخلص، ولكن....؟
ضمن كل الأطر السابقة فالرجل ليس مذنبا ولا بأي حال من الأحول، والقانون الذي نتعامل معه إن لم يعبر عن وجدان الشعب وضميره فليس بقانون، ولن تكون له قيمته في وجدان الناس ولا في ضمائرهم، ويجب علينا أن نشعر وأن نفهم وأن نتعامل مع دين الشعب ومع ضميره ووجدانه بطريقة تشعر الشعب أن له قيمته، وليس بطريقة نحترم فيها شعور اليهودي الصهيوني وشعور الآخرين على حسابنا نحن.
إذا كان العفو العام يصدر بقانون، والقانون يصدر عن ممثلي الشعب، والشعب، كل الشعب، وأنا أقول أيضا إن المسؤولين كذلك، لا يرون في الدقامسة إلا ذلك البطل الذي استنقذ كرامتنا ممن لا يقيمون كرامة لأحد، وإذا كان الأمر كذلك، فالقول إن وضع الرجل في السجن أصلا لا يتوافق مع وجدان الشعب وضميره ومع الدين أولا وأخيرا، وإن سار الأمر على خلاف ذلك سابقا، فالأجدر أن لا يبقى أكثر في السجن، والعفو العام كان الفرصة اللائقة في هذا السبيل، ولكن للأسف الشديد الشديد تسير الأمور على غير ما يقبلها منطق.
لا أريد أن أتعامل مع العواطف التي تبكي على بقاء الدقامسة في السجن، ولا على ضميرنا الذي ينام حيث ينام الدقامسة، ولا على شعورنا بالإحباط من الإصرار غير المبرر وغير المقبول من هذه السجن؛ ولكن نريد أن نتعامل موضوعيا مع القانون، ومع المسؤولين عن القانون، ونقصد مجلس النواب، إن واجبهم الشرعي والشعبي هو سن قانون لإطلاق سراح الدقامسة من سجنه، فالرجل يستحق أكثر من ذلك، فهو بطل هذا الشعب وبطل للأمة جمعاء، والتغافل عن وجود الرجل السجن من قبل مجلس الشعب هو انتهاك لوكالة نيابة المجلس عن الشعب، فالشعب لا يقبل بهذا، والمجلس يدرك هذا جيدا. ومرة أخرى يشمل العفو العام السارق والزاني والمزور، ويقصر عن أن يشمل رجل كل ذنبه أنه قال لا إله إلا الله وعمل بها في حمايتها من الدنس؟
بأبسط المخارج القانونية التي توجد بين أيدي القانونيين في البلاد وكذلك السياسيين، يمكن الارتكان إلى الأمراض التي تنخر جسم الرجل ليطلق سراحه إنسانيا، وإن كنا لن نقبل حتى بهذه، وقبلنا أن نطلق سراح من سرقوا وزوروا وزنوا وبلطجوا في البلاد ونشروا الرعب والفساد، فلنقم لضميرنا مأتما ولنملأ الدنيا عويلا.