عبدالله ناصر العتيبي

بعد أيام قليلة، ستستقبل العاصمة السعودية الرياض الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أول زيارة رسمية له خارج الولايات المتحدة. هذه الزيارة كما أُعلن عنها لن تتناول فقط الشأن السعودي الأميركي، بل ستتجاوز ذلك إلى رسم مسارات جديدة للعلاقات العربية - الأميركية وكذلك بناء كيان دولي يستطيع احتواء الأيديولوجيات والمذاهب العالمية في مفهوم واحد يُدني التقارب والتعايش ويُقصي التنافر والاحتراب.

 

 

زيارة قصيرة تحمل عناوين كبيرة. وهي بلا شك أحرى بها. فالضيف هو رئيس أقوى دولة في العالم، والمضيف هو زعيم إسلامي كبير وملك دولة هي بمثابة القلب من العالم الإسلامي والجناح الذي لا يطير طائر العروبة إلا به.

 

 

ستستمر الزيارة يومين وسيلتقي ترامب خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لمراجعة العلاقة الطويلة بين البلدين وترميم ما لحق بها من تصدعات خلال فترة حكم الإدارة الأميركية السابقة. سيتناول الجانبان السعودي والأميركي في محادثاتهما في الثلث الأول من زيارة ترامب كيفية إعادة العلاقات بين البلدين إلى مسارها الصحيح، ومن ثم تعميق هذه العلاقات وتمتينها بما يخدم المصالح المشتركة لكليهما. أميركا لها مصالح كبيرة في استعادة حليفها التاريخي والسعودية كذلك، وهذا ما أظن أن العلاقة الجديدة سُتبنى عليه بعد الجفوة الأوبامية العارضة: «المصلحة المشتركة».

 

 

يعقد الرئيس الأميركي بعد ذلك في القسم الثاني من الزيارة قمة مصغرة مع زعماء مجلس التعاون الخليجي لتأكيد مسؤوليات بلده تجاه هذا الجزء من العالم، وكيف أن على أميركا كراع للسلام العالمي أن تتدخل لتصحيح الميزان المختل في المنطقة والذي أصبح في السنوات الأخيرة عصياً على استعادة توازنه بسبب مغامرات أنظمة إقليمية وجدت في تعقيد الأوضاع من حولها خلاصاً من أزماتها الداخلية.

 

 

ثم يعقب ذلك في القسم الأخير من الزيارة لقاء مع زعماء العالم الإسلامي يمهد الرئيس الأميركي من خلاله بالاشتراك مع نظرائه المسلمين لصناعة مواقف دولية ثابتة في مواجهة الجماعات الدولية العابرة للحدود والمعتدية على مفاهيم السلام في الديانات السماوية الثلاث.

 

 

الزيارة قصيرة وأظن أن جدولها لن يتسع لجلسات مطولة وأحاديث مفصلة عن الأزمة اليمنية والتشابك الدولي في سورية وغياب الحلول الوطنية في ليبيا. لا أظن أن وقت المجتمعين في الرياض سيكفي لتخصيص جلسات عمل منفصلة لكل مشكلة إقليمية على حدة، وما أكثر المشكلات في عالمنا الإسلامي! هي قصيرة في زمنها لكنها طويلة بتأثيراتها وارتداداتها المستقبلية، وأظن أن «رمزيتها» الواضحة للجميع يمكن البناء عليها مستقبلاً لإيجاد حلول دائمة في المنطقة.

 

 

سيأتي الرئيس ترامب محملاً بالوعود والأماني، وسيغادرنا مستعيداً ثقتنا واحترامنا. ستتغير أميركا وستبقى المملكة ثابتة على مبادئها الأولى.

 

 

ما كتبته أعلاه مقدمة طويلة لمقال كان الهدف منه عندما فكرت في كتابته توجيه ثلاث رسائل خاصة سأختصرها في بضع كلمات تضامناً مع مساحة المقال التي توفرها لي الصحيفة، ومع الرمزية التي تحملها زيارة ترامب.

 

 

الرسالة الأولى موجهة إلى شعوب المنطقة، وهي أن التعافي من الأزمات التي تعصف بِنَا لا يمكن له أن يكتمل من غير أن توقع المملكة على محضر الحل النهائي، ولا يمكن للدول الإسلامية قاطبة أن تقف موقف الند من القوى العالمية لموازنة وجودها وحل أزماتها إلا بالالتفاف حول المملكة وإحاطتها بما تستحقه من رمزية وقداسة.

 

 

الرسالة الثانية موجهة الى الشعب السعودي... بلدكم وقّع خلال الأشهر القليلة الماضية عشرات الاتفاقيات الاقتصادية مع دول عالمية عدة، سعياً من المسؤولين لدعم برامج رؤية ٢٠٣٠ وتقليل الاعتماد على النفط بحلول العام ٢٠٢٠، وسيواصل هذا المسعى من خلال توقيع اتفاقيات اقتصادية كبيرة مع أميركا خلال زيارة الرئيس ترامب ربما تكون الأضخم بما يتناسب مع حجم الاقتصاد الأميركي. هذه الاتفاقيات ستثير حفيظة الإعلام المعارض لسياسات المملكة، وسيروج عبر أبواقه أنها ليست إلا ثمناً للحماية الأميركية للسعودية. دعوه يذهب حيثما شاء في هذا الجانب، واطمئنوا - وأنتم العارفون - إلى سيادة دولتكم وقوة اقتصادها.

 

 

الرسالة الثالثة موجهة إلى الحكومة السعودية... العالم الآن ليس هو العالم قبل ٣٠ أو ٥٠ عاماً. العالم يتغير، والتنظيم التقليدي للعلاقات الدولية وشكل البنى السياسية كما نعرفهما قبل سنوات، قد يتغير جذرياً بعد سنوات قليلة مقبلة، لذا فإن الحفاظ على أميركا كحليف استراتيجي وتقليدي وإعادة سابق أوضاعنا معها لا يعنيان أن نتخلى عما بدأناه قبل سنتين من تشكيل أحلاف في مشارق الأرض ومغاربها. مكانة المملكة ومركزيتها الدينية تستوجبان أن تمد الرياض أذرعها في مناطق مختلفة من العالم، وتستلزمان أن تصنع الديبلوماسية السعودية سلماً متدرجاً من صناعة الأحلاف تتغير مستوياته بتغير الحاجة إليه سواء كانت دينية أو سياسية أو اقتصادية أو عسكرية!