كلام في صناعة الفقر
كلام في صناعة الفقر
بقلم: شفيق الدويك
رغم إستمرار إنحسار الأسرة (العائلة) الممتدة أو الموسعة التي تندرج تحت جد حي كان أم ميت في معظم المدن الرئيسية الأردنية و بعض المناطق الريفية بصورة ملموسة نتيجة التغييرات الثقافية و نمط أو أسلوب الحياة التي قذفت به تيارات العولمة الى ضفاف معظم بيوتنا، إلا أن الكثير من قرارات الأفراد غير الحصيفة أو التي تعوزها الرؤية، و التي تساهم في صنع الفقر، لا زالت تتأثر بشكل رئيسي بمن يعيشون حولهم أو بينهم من أقرباء و جيران ومعارف و أصدقاء و زملاء عمل. و اشتركت الأميّة، و أحيانا الثقافة الضحلة التي تتصف بها مرجعيات كثير من الأسر (العائلات) في سوء إدارة و تدبير شؤونها ، و ورّثـــت أجيالها الفقر و العوز و البطالة تباعا.
و تعتبر سلوكيات الإسراف و التبذير أي عدم الحرص ،و هي من طبع المرء،غير المبررة مسؤولة كذلك عن توجه كثير من الأسر نحو حافة أو هاوية الفقر.
و ساهمت، و تساهم ثورة المعلومات و الإتصالات كذلك، و التي تنقل إلينا منتجات المسوقين الذين يتفنن الواحدُ منهم في جذبنا نحوها في معظم الأحيان، في تكدّس حاجات و رغبات و أذواق جديدة (لم نكن نعلم عنها شيئا) في خزائن العقول، و يشعر الكثير من الناس و كأنها تُخرج أصواتا مفزعة، معذّبة و مؤلمة إذا تأخروا في إتخاذ قرارات بشأن إشباعها، و هو شعور غبي بل متهور و مندفع بمعنى الكلمة بالنسبة لغير القادرين على الشراء !
إن من بين القرارات أو الأوضاع، على سبيل المثال لا الحصر، التي تعتبر مسؤولة بصورة مباشرة عن مساهمتنا في صنع الفقر :
-التمادي في حالات الكسل، و تدني الإنتاجية في أعمالنا، مع سيطرة ثقافة العيب على العقول. و في هذه المناسبة أود التذكير هنا، على سبيل المثال، بأن رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، الفائز في الإنتخابات التي جرت منذ يومين لولاية ثالثة، و الذي قد تمكن من تغيير وجه تركيا، كان و هو صغير يبيع لفافات الخبز و عصير الليمون في شوارع إسطنبول القديمة، ليتمكن من دفع مصاريف مدرسته الدينية.
- إصرار كثير من الأسر على زواج فرد من أفرادها، رغم هشاشة وضعهم و وضعه المادي و غير المادي أي عدم وضوح خط سير حياته العملية، و هذا يؤدي الى إرتفاع معدل أعباء الإعالة للفرد المتزوج في الوقت غير المناسب.
- إصرار كثير من الأسر غير الميسورة الحال على محاكاة الأسر الميسورة فيما يتعلق بمراسم الزواج و مستلزماته،
- تقليد الأقارب أو الجيران أو غيرهم الذين هم (من طبقة إجتماعية أعلى) في نمط أو أسلوب الحياة بسبب الغيرة و غيرها من الأمراض النفسية !،
- غياب توجيه و رقابة الوالدين للأبناء أثناء فترات تحصيلهم العلمي، و التراخي أو التهاون في تبني أساليب تربية أو تنشئة سليمة و تحكيم العاطفة بدل العقل في تسوية السلوكيات. و هذا الأمر يؤدي الى عمالة الأطفال، زيادة معدل الأميّــــة و الإنحراف في المجتمع ،
- إنشاء مشروع مماثل لمشاريع الآخرين بدون معرفة أو خبرة مسبقة بالنشاط ،
- التوسع في مشاريع قائمة دون دراسة مخاطر التوسع، - الإستثمار في أدوات مجهولة الهوية !،
- إستمراء الإستدانة لمواجهة متطلبات إستهلاكية، لا سيما في ظل تهافت المؤسسات المالية على منح التسهيلات للأفراد و الشركات،
- عدم وضوح حقوق الشركاء في الشركات العائلية عند وفاة أحد الشركاء !،
- أو التلاعب في حقوق الميراث !،
- إندفاع المرء نحو إشباع حاجات و رغبات متجددة رغم ضعف الإمكانيات أو القدرة المالية ،
- و غير ذلك من القرارات التي تصنع الفقر الذي يلازم أجيال عديدة لاحقة.
و لمواجهة الديون أو حالات الفقر التي قد أصابت أو من الممكن أن تصيب بعض الأسر (العائلات)، أو الحد من إتخاذ القرارات أو نشوء بعض الأوضاع ســــــالفة الذكر، فإنه لا بد لتلك الأسر من:
- تبني قرارات صديقة لهم،
- إتباع حمية لتخفيف الديون debts diet ، وذلك عن طريق تجنب القرارات المتسرعة أو المسؤولة عن نشأة الإلتزام أو الدين أو تدهور الأوضاع المادية،
- التدرب على الإكثار من قول كلمة (لا) للقرارات و الأفكار الهشة،
- مع تحكيم العقل و الإستشارة دائما أو ما أمكنهم ذلك !