ايام قضيتها مع احمد الدقامسه
كنت من الذين استقبلوا المناضل احمد الدقا مسه في يومه الأول في السجن العسكري الواقع في الزرقاء، واذكر ذلك اليوم والأيام التي سبقته كم كانت مرهقه ألينا ونحن نستعد لاستقباله حيث حُضرت له زنزانة انفرادية للسجين الذين سيقلق الجميع كون المسموعات قد سبقته من حيث سوء سلوكه كما ذكر لنا ، هذا عدا عن احتماليه تهريب الرجل بقرصنة خاصة، بألا أضافه انه تم صيانة الزنزانة وتجريدها من أية أدوات ربما تساعده على الهرب أو يؤذي نفسه فيها أقول كنا نعمل الليل بالنهار قبل أسبوع من قدومه .
كما حُضر له فريق حراسه من نوع خاص مهمته تنحصر بالأسوار الخارجية وبتركيز ملحوظ عبر أبراج مراقبه كانت تطل عليه، وفريق أخر مهمته حدود زنزانته ومراقبه نشاطه وطريقة أكله وحديثه وربما أحيانا يكتب له مراقبه على الأكسجين الذين يتنفسه، كذلك تم فصل الكهرباء وأسلاكها كي يعيش هو وأحلامه وكل هذه الأمور صدرت لكثرة التهويل الوارد ألينا عبر أسلاك التعليمات المرئية والمسموعة ، حتى إنني كمسئول توقعت من رعب الأوامر التي تصدر تباعاً انه ربما ( رابين) وزمرته آنذاك يخطفون الرجل ويقع العار علينا كانت أيام مربكه للجميع حتى توافد ألينا رموز القادة وعرباتهم تحمل إطباق من التعليمات الصارمة بل الحربية إلى درجة الأحمر .
لم أكن اقتنع بما يدور ولو إنني كنت صامت وأراقب الحدث منفذاُ ولكن كان عقلي يقول لي غير ما يتصرفون إلى إن جاء الموكب الأبيض بسياراته البيضاء من نوع( روفر )110 لون ابيض تعود ملكيتها لجهاز امني كان الرجل السجين يخضع للتحقيق لديهم ، ترجل احمد وقيود الحديد تحزم يداه للخلف مكمم العينين، قصير القامة صامت حركته خفيفة ، رفع غطاء الوجه عنه وتنهد بكبرياء واضح واطمئن أكثر لأنه أصبح في حضرة ا لسجن العسكري، اُخضع للفحص الطبي الشامل قبل دخوله وكانت عيناه تؤشر ألينا على خرائط الجسد المنهك ، ثم بعد ذلك استمع إلى وابل ناري من التعليمات الصارمة التي ربما تقلق النزلاء الآخرين لأنها ستطبق عليهم أيضا ويا له من يوم من نوع أخر ، لم ينطق الرجل وقال حاضر مبتسماُ وقال أين زنزانتي وكأنه يعرف القادم إليه ورافقه فريق الحراسة المدجج إلى زنزانته وكان الوقت يقترب من صلاة المغرب وبعد دخوله بفترة حان وقت صلاة المغرب وإذا بمسئول الحراسة يبلغني إن أصوات تصدر من منامة السجين دقا مسه قلت بدأت الحكاية وعدت فورا إلى ألمها جع وأرسلت فريق الحراسة يستقصي الأمر ورجع عائداُ بقولهم يريد اتجاه القبلة ليصلي وكانت أول الحكاية حيث علمنا إن الرجل( لا يصلي وتصرفاته لا تدل على انه عسكري منضبط ) إلى أن جاء العشاء وأيضا أعاد قرع الأبواب ولكن هذه المرة يريد إن يتحلى بالكنافة ومن السهل الأخضر تحديداُ وتعلمون إن الإغلاق على النزلاء يتم قبل المغرب ولا يفتح عليهم إلا صباحا لكننا إبلاغنا مدير السجن بالقصة والذي أرسل فوراُ ولأول مره سيارة تجلب له كنافة لينام احمد ألد قا مسه يومه الأول لدينا ولم تنزل علينا القراصنة لكي تخطفه، ولم يزعجنا بل ينفذ الأمر مطيعاُ وهادئا ، وصبور والمشكلة انه يصمت كثيراُ وهو يستمع إليك وكانت هذه التصرفات التي تصدر منه تنفي قصة الرعب عن الرجل إلا سطوره وسندباد الهروب .
ويوم الأحد وهو موعد الزيارة جاء ألينا مجموعة من عائلته ترى عليهم رد الفعل والصبر يمر على وجوههم وكنت ادقق على دموع والدته وهي تمعن النظر إليه بحسره وداع متا لمه ولكن ما با ليد حيله ، كانت عصبة رأسها مرسوماُ عليها تاريخ الوطن وترابه تزرع وتحصد كي يكبر احمد، ليقرر احمد إن يحمي أسوار الوطن بعد إن زرعته الحياة شاهداُ يراقب خطوات قطعان اليهود تعبر إمامه كالشياطين يلعنها وتعود، يرجمها وتمر من إمامه تستفز الرجل الممتشق السلاح يؤدي فرائض ربه جندي على أرضه يرسم الحب الأبدي كي ينام الآخرين مطمئنين بسلام، وكنت إنا كاتب السطور فخوراُ برجالات الوطن الذين يمروا عليه زائرين متفقدين الحال في ظرف صعب الاقتراب فيه من احمد ومن هؤلاء الرجال معالي هاني الخصاونه ، المناضل ليث شبيلات ،معالي حسين مجلي والذي قال لي شخصيا يا ابني هذا السجن للرجال كنت فيه سجين بالخمسينات مضى احمد لدينا فتره في السجن العسكري ولم نرى منه أية مخالفه لأنه كان يرى نفسه كبيرا إلى إن جاءت التعليمات بترحيله إلى سواقة ، ترى لماذا تزهق روح احمد وهم الذين أزهقوا أرواحنا مرات ، مره سرقوا فيها فلسطين ومره زرعوا الويل فينا ،ومره دخلوا ألينا بثوب سلامهم الوسخ ، سيلعن التاريخ الأدوات ، احمد رجل صنع لنفسه تاريخ يفتخر فيه ابنه مدى الحياة ، ونحن العرب ستون عام نشتري أسلحة العالم لم يفتح لها نار ، متى تقود الحكومة وأحرارها حملة خروجه من أسوار السجن كي يرى الوطن من أوسع أبوابه ليراه الوطن جندي يعشق ترابه