كتاب "تطورات المشهد الفلسطيني"
صدر حديثاً للكاتب السياسي حمادة فراعنة كتاب جديد، هو الثامن عشر في سلسلة من الاصدارات المتعاقبة على مدى السنوات القليلة الماضية، تحت عنوان "معاً من اجل فلسطين والقدس ". وقد قدم له الكاتب عيسى الشعيبي، الذي نوّه باهتمام الكاتب وحرصه على مسألة التأريخ والتوثيق والتحقق والتدوين، للوقائع والتطورات التي جرت في العام 2012، لا سيما وان ذلك العام شهد نشاطاً سياسياً واسعاً، ومخاضاً شعبياً لا سابق له، وتحركات دبلوماسية كثيفة، وفي القلب منها التحرك الدبلوماسي الاميركي، من اجل اعادة احياء عملية السلام المتعثرة بشدة.
ولا يُنقص من قيمة هذا الكتاب، ان مادته الواقعة في 272 صفحة من القطع الكبير، صدرت قبل نحو خمس سنوات، على هيئة مقالات اسبوعية منتظمة في جريدة الايام الفلسطينية على مدى ذلك العام، بل انه يمكن القول ان جمع هذه المقالات، (51 مقالاً) بين دفتي كتاب واحد، قد اضفى مزيداً من الاهمية على هذا الاصدار، الذي ستزداد اهمية بالنسبة للباحثين والسياسيين والصحافيين مع مرور مزيد من الوقت.
بعين الكاتب السياسي المطلع على الاحداث بدقة، ومتابعتها عن قرب، وبحسه السياسي الحاد لمغزى الوقائع والتطورات ، تناول حمادة فراعنة جل المواقف والمتغيرات في عام 2012، اي في زمن وقوعها اولاً بأول، وعرض تفاصيلها الدقيقة من عين الحدث او من داخل مطبخ صانعي القرار في بعض الاحيان، الامر الذي بدت معه هذه المادة المنشورة اخيراً، اقرب ما تكون الى شهادة شاهد من رأى بأم عينه، وسمع بملء اذنه، وهي ميزة غير متاحة الا للقليل من الكتاب المعنيين بتوثيق وتمحيص ما يدفعون به الى النشر.
لقد كان العام 2012 ذروة ما عرف باسم الربيع العربي، الذي تصدرت فيه مشهد الحراكات والاعتصامات، منظمات الاسلام السياسي، وفي طليعتها حركة الاخوان المسلمين، وهو ما اضاء عيه حمادة فراعنة بقوة، وشخّص وقائعه المتسارعة بعين ثاقبة، وقدم فيه وجهة نظر تحليلية مستقلة وغير منحازة، رغم ان تفاعلات تلك الثورة الشعبية العارمة لم تكن قد استقرت في حينه على وجه، ولم تتضح تداعياتها الكبيرة بعد.
وكما هو دأبه، فقد خصص حمادة فراعنة جزاءً كبيراً من صفحات هذا الاصدار للشأن الفلسطيني، خاصة ما اتصل من ذلك بتطورات الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، بما في ذلك الاشتباك الدبلوماسي الذي مارسته القيادة الفلسطينية بكفاءة عالية من قبل ومن بعد، حتى وان جاءت النتائج متواضعة، والحصيلة قليلة للغاية، جراء الخلل الشديد في موازين القوى المحلية والاقليمية والدولية، وانشغال العالم العربي، لا سيما في العام 2012 بشؤونه الداخلية الملحة، وانفجاراته الذاتية المتعاقبة على مدى خمسة اعوام واكثر.
ومع ذلك فقد كان الحدس السياسي للكاتب الفراعنة صحيحاً في معظمه، وكانت مقارباته لمختلف تطورات ذلك العام الصاخب، بكل ما في الكلمة من معنى، مقاربات صائبة بصورة اجمالية، الامر الذي بدت معه تحليلات الكاتب غزير الانتاج، وكأنها عملية استشراف حصيفة لما سيلي من تطورات لا حصر لها في الواقعين؛ العربي والفلسطيني، كما اماطت هذه القراءات المعمقة، اللثام عن جملة الاحداث والوقائع، ناهيك عن المضاعفات، التي جرت في السنوات القليلة التالية على تلك المقاربات المبكرة.
لقد جاء في مقدمة هذا الكتاب التوثيقي، التي خطها عيسى الشعيبي بقلمه: ان حمادة فراعنة لا يكتب بعين المراقب ابداً، ولم يتفرغ لمهنة الشقاء والمتاعب بحثاً عن عمل ومصدر رزق، وانما يكتب بشغف، ويرسل موقفه ورؤيته من قلب الحدث، ان لم نقل انه كثيراً ما يبدو مشاركاً في صناعة الحدث ذاته، وطرفاً مباشراً من بين اطراف صانعيه، الامر الذي يزيد من اهمية ما يكتب، ويضاعف من وزن رأي لا يعرف المنطقة الرمادية، حتى وان كان ذلك مكلفاً له، سواء اكان ذلك من ناحية علاقاته السياسية، او من جهة صلاته المهنية.