اختراقان بارزان


كانت أسئلة المشاركين في مؤتمر جامعة البترا، «الدولة المدنية في فكر جلالة الملك» تركز بحرارة ووضوح، على أسباب توقف وتعثر مسيرة الإصلاح الوطني، في محطات عدة. وأسئلة حارة عن الذين يضعون العصي في دواليب هذا الإصلاح.

كل ذلك على خلفية وأرضية، اننا تقدمنا اشواطا ممتازة، على طريق الإصلاح السياسي والاقتصادي والحقوقي والرقابي، منذ 1989 الى اليوم.

كانت ثمة خشية من ان تلاقي أوراق الملك النقاشية السبع، ما لاقته الاجندة الوطنية والميثاق الوطني ومخرجات لجنة الحوار الوطني ومخرجات كلنا الأردن ومخرجات الأردن أولا.

معلوم ان عرشنا الهاشمي، الذي تمثل في الملك الراحل، وراهنًا في الملك عبدالله الثاني، هو من يقود مسيرة التقدم والحداثة والتطوير والدولة المدنية الديمقراطية المعاصرة، مباشرة، عبر لجنة الميثاق الوطني في عصر الملك الراحل، ومن خلال استحداث وزارة التنمية السياسية و»كلنا الأردن» و»الأردن أولا» ولجنة الاجندة الوطنية ولجنة الحوار الوطني في عهد الملك عبدالله الثاني.

لقد واجهت قوى الحداثة والتقدم والدولة المدنية المعاصرة، والقوى الاجتماعية الأردنية الجديدة، مقاومة ضارية، وتعطيلا منهجيا، من قوى القدامة والجمود والاقصاء والغلو والفساد والاستئثار. ولا تزال تواجه.

في حياتنا السياسية، اختراقات ملكية كبرى، باتجاه المعاصرة والتقدم والحداثة فالملك الحسين، العائد للتو من الدراسة والعيش في بريطانيا، المتشرب صيغتها الديمقراطية، كلّف في الـ 29 من تشرين الأول 1956، زعيم الحزب الاشتراكي سليمان النابلسي، بتشكيل اول حكومة حزبية جبهوية، ضمت ستة اعضاء من الحزب الوطني الاشتراكي هم: عبدالحليم النمر وشفيق ارشيدات وصالح المعشر وأنور الخطيب ونعيم عبدالهادي، وثلاثة مستقلين هم: صلاح طوقان وسمعان داود وصالح المجالي، ووزيرًا عن حزب البعث العربي الاشتراكي هو المحامي عبدالله الريماوي، ووزيرًا عن الشيوعيين هو عبدالقادر الصالح.

وفي اختراق ملكي آخر، كلف الملك الراحل، طاهر المصري بتشكيل اول حكومة برلمانية ديمقراطية (شبه يسارية) في الـ 19 من حزيران 1991 ضمت خالد الكركي و 6 من «التجمع القومي» هم: علي أبو الراغب وممدوح العبادي وعبدالكريم الدغمي وصالح ارشيدات وسليم الزعبي ومحمد فارس الطراونة.

ولأن «المقروصَ يخشى جرّةَ الحبل» فإن الرأي العام الأردني، الذي يتلقف بتعطش واهتمام وفرح، رسائل الملك النقاشية، التي تشتمل على ما هو ضروري لإصلاح حياتنا ومواكبة العصر وتطوير صيغة العيش الأردنية، القائمة على قواعد دولة القانون والتعددية السياسية وقواعد المواطنة والعدالة الاجتماعية، هذا الرأي العام المتوثب، الحريص على التطور، سيظل يخشي من سطوة قوى الشد الخلفي ومن تحالف قوى الفساد وقوى القدامة والرجعية على مشروع الإصلاح الوطني.

فلنعترف ان قوى «الممانعة» أعداء الإصلاح، يستمدون قوتهم من ضعف وهشاشة وتفرق قوى التقدم والمعاصرة والحداثة التي ليس لها نسق ولا مشروع جبهة وطنية لدعم الدولة المدنية.

يحتاج التقدم والنجاح في مشروع الإصلاح الملك ي الأردني، الى قوة دفع ميدانية، هي الطليعة، التي تتولى عادة قيادة عربة الإصلاح، من خلال تنظيمات، لها رواس وقواعد واعماق وتمثيل على الأرض.

ان قوى الدولة المدنية، تبدو على غير حقيقتها وعلى غير حجمها، بسبب تشظي وهشاشة وضحالة النخبة التي تتولى القيادة وتدير الصراع. فقد نجح في الانتخابات النيابية نائبان فقط، هما خالد رمضان وقيس زيادين، في مجلس نواب يتكون من 130 نائبا؛ ما يمكّن قوى الجمود والتخلف والفساد، ان تعلن، ان حجم «جماعة» الدولة المدنية في الأردن هو 2/130 وهو ما يساوي 1.5%.

باختصار: الشعب الأردني بلا طليعة قادرة موثوقة وهذا خطر وخلل يجدر التنبه له وردم فجوته.