المحافظ دور ووظيفة

 


الغضب وجه اخر للحب , وحب الجنوبيين لوطنهم أزلي ولا يمكن لأحد ان ينتقص منه ومن نبله وصدقيته رغم مزاجهم القاسي نسبيا بحكم طبيعة الجغرافيا وقسوتها جنوب القلب الاردني .

عندما تأخذك الطريق شمالي القلب الاردني , ثمة خضرة وجبال بكامل قيافتها الطبيعية , وثمة تعرجات في الدروب تمنحها حميمية ورّقة تغري السائر كي يتمهل قليلا لتغذيه روحه وبصره بمساحات تفيض قمحا وكروما من أعناب ورجال قاماتهم تشابه النخل وتحاكيه.

الحاكم الاداري او المحافظ عليه ان يدرك اثر الطبيعة على الانسان وان يتوافق مع واقع المكان وعبقريته او جوره على السكان , فالجبال القاحلة والارض الجرداء لا تنجب أصواتا جبلية في الغناء بقدر ما تنجب شعراء نبطيين وعازفي ربابة , فشعر الخيل بفتح الشين وشعرها بكسر الشين متلازمة جنوبية , كما عذوبة الصوت وقوته ورفاه شاعرية اهل الجبال من الشمال , فأرغول الفلاح ينشد لدبكة ثنائية التشكيل « حبل مودع « في حين يكون السيف سلاح من يحوش او تحوش في السحجة .

فوارق الطبيعة تنعكس فوارق في الطبائع وسلوكا حياتيا يتطلب من المحافظ ان يتخلى عن محافظته قليلا ليصبح حاكما اداريا او واليا بمعنى الاستجابة لطبائع الناس للا للمكتوب في الكرّاس الوظيفي , وان يلتقط اللحظة ويبني عليها قرارا اداريا سليما يستجيب للحاضر ,واجزم ان هذا ما اراده الملك عندما تحدث كثيرا عن الدور التنموي للمحافظ , فهو ممثل جلالة الملك في الوحدة الادارية التي ندعوها بقسوة محافظة .

الدور التنموي يعني تنمية شاملة لكل المكونات ولا يمكن تطوير وتنمية وحدة ادارية دون معرفة طباعها وطبائعها , مكونات عقلها الجمعي ومكونات بنيتها التحتية على السواء , اسرار فرح ناسها واسباب غضبهم وعتبهم , هذا ما اراده الملك منذ حقبة طويلة من ممثليه في المحافظات , تنمية شاملة ومحافظ يتقن مفهوم وادوات التنمية الشاملة ومكوناتها .

بهذا المعنى يجب ان نسارع الى معهد للادارة المحلية اسوة بالمعهد الديبلوماسي , فثمة تشابه في الدور واختلاف في الوظيفة بين الديبلوماسي « السفير « والمحافظ , فكلاهما ممثل جلالة الملك واحد في الداخل واخر في الخارج , ومعهد الادارة المحلية تأخر كثيرا في الخروج الى العلن ولا يمكن تطوير دور المحافظ دون تطوير ادواته ومعارفه داخل هذا المعهد الذي سينتج قادة محليين يعرفون التعامل مع الواقع بكل تفاصيله ويتقنون تنميته وتنمية موارده البشرية والطبيعية .

محافظات المملكة عامرة بالخير والحب والموارد البشرية والطبيعية لكن اتقان ادارة هذه الموارد هو جوهر الاصلاح المنشود والمأمول وهو غاية الحكم , وهو سر غضب المحافظات وعتبهم فهم يرون مواردهم لا تفيض عليهم وادوات وصولهم الى مواقع الوظيفة المتقدمة والمناصب العالية محكوم باشتراطات العاصمة وظروفها لا بظروفهم وواقعهم .

المحافظات عاتبة ومعها حق وناسها عاتبون ومعهم حق فالعاصمة اخذت منهم كل شيئ حتى نخبهم يأتونهم من العاصمة ويسكنون فيها من اللحظة الاولى لتوليهم المنصب او الموقع وهذا ما يجب على المحافظ معرفته ومعالجته .