خطأ القراءات في تحديد اتجاهات الشارع...علي السنيد
كانت الخطوة الأولى الضرورية للتعامل مع حراك الشارع تتمثل في تخفيف الأعباء المعيشية على المواطن الأردني بشكل سريع، وكان ذلك ممكنا منذ أشهر من خلال زيادة الرواتب بصورة مجزية بغض النظر عن الكلفة التي ستترتب على الموازنة في هذه المرحلة، ذلك أن دوام الأمن والاستقرار أكثر أهمية من الحفاظ على مستويات منخفضة في عجز الموازنة، وهو اقل ضررا من مخاطر محتملة إذا تواصلت الاحتجاجات بتعبيراتها المختلفة وأثرها المتوقع على السياحة وجذب الاستثمارات العربية والأجنبية.
والمشكلة أن الحكومة اعتمدت على قراءة الأحداث من خلال ما تقدمه النخبة السياسية من تحليلات قدمت مطالب الإصلاح على النظام السياسي على الهم المعيشي للمواطن، واعتبرتها المحرك الحقيقي للاحتجاج ، وظل مطلب الإصلاح يراوح مكانه حيث لم تفد كل أعمال اللجان التي تشكلت، والوعود التي قطعت في فك احتقان الشارع الذي جرى تصويره انه يجري بسبب نوعية قانون الانتخاب، أو تحت مطلب الملكية الدستورية أو الإصلاحات الدستورية أو الوصول إلى حكومات نيابية.
فالشارع لا تعود حالة احتقانه إلى رغبته في زيادة رقعة تمثيل الأحزاب في الحياة العامة، وهي التي لا تجد لها أثرا في الشارع سوى في أجواء الأزمات، حيث تندمج مع حراك الأردنيين، وتأخذ صفة تمثيلهم، وتنطق باسمهم، وتحول مطالبهم الحقة إلى مكاسب تخصها.
وإنما الشارع لمن يفهمه مطالبه واضحة، وهي تتركز في تحسين مستوى المعيشة، وإجراء إصلاح إداري يشمل المؤسسات العامة جميعها ويؤدي إلى زيادة فعالية هذه المؤسسات في تقديم الخدمة الفضلى للمواطن، وهذا يتم من خلال وضع المسؤول المناسب في المكان المناسب، وكذلك وقف الفساد المالي والإداري المستشري، والذي يستولي على حقوق الأردنيين من خلال استغلال الوظيفة العامة.
ولو تم التعامل الفوري مع مطالب الأردنيين الحقيقية التي تتجاوز ما تطرحه النخب، وزيدت الرواتب، وقدمت مساعدات عاجلة للطلاب الجامعيين في القرى النائية، وتم النظر إلى الكيفية التي يصار فيها للقضاء على البطالة، وتقليص رقعتها، ومساعدة الفقراء على التخلص من الأعباء المعيشية التي ترهق كواهلهم لتمكنت الحكومة من عزل الشارع عن النخب التي ما تزال لا تقبل بكل اطروحات الإصلاح التي قدمت من طرف النظام بما يشبه الصلف، وتجد أن هنالك تسارعا في ارتفاع منسوب المطالبات السياسية بحيث يكون كسب رضى هذه القوى - المطالبة بالديمقراطية وهي تناقضها فعليا من خلال سلوكها السياسي - غاية لا تدرك.
وكان الأولى تقديم أولوية الهم المعيشي على ما جرى من تشكيل لجان، وصرف النظر عن متابعة رغبات هذه القوى، وبعد أن تستقر الأحوال، وتتوقف الاعتصامات والإضرابات عن العمل التي شملت معظم القطاعات لأسباب تتعلق بتحسين مستوى المعيشية، وما تزال الحكومة لم تقرأ رسالة الشارع بعد، وبعد أن يتم استعادة الشارع يجري الترتيب لولوج مرحلة الاصلاحات السياسية بشكل هادئ وموزون يؤدي للوصول إلى تحقيق تطور نوعي على النظام السياسي بما يراعي مصالح جميع أطراف المعادلة السياسية، وليس الاضطرار إلى إصلاح بعينه تكون نتيجته محكومة لصالح جهة على حساب جهة أخرى.
وان من يقرأ كيفية تعامل الأنظمة العربية مع حراك شوارعها سيجد بوضوح أن تعامل الأنظمة مع المجريات على أساس أن محركات الاضطرابات مطالب إصلاحية سياسية أدى في نهاية المطاف إلى سقوط هذه الأنظمة، او هي في طور السقوط لكونها فشلت في أن تجاري النخب في مطالبها التي وصلت إلى مطلب اسقاط النظام، وتمكنت من أن توظف الشعب في هذا المطلب أخيرا.
والأنظمة التي تمكنت من احتواء حراك الشارع هي تلك التي تعاملت معه على أساس انه ينشأ عن مطالب معيشية بحتة، وقامت بتوفير مساعدات عاجلة، ولحقت بها اجراءات تعمل التخفيف في مجملها من حالة الضغط المعيشي على الناس مما جعلها تنجح في وقف الاحتجاجات مؤقتا، والسيطرة على حراك الشارع. وهكذا نجت هذه الأنظمة المهددة بالسقوط من التغيير على الرغم من أنها انظمه عتيقة، ولا تشهد غالبيتها انتخابات، ولكنها لم تفتقر للحكمة في التعامل مع المجريات، وهي الحكمة التي يجب أن تقودها إلى مرحلة إجراء إصلاحات سياسية حقيقية في أجواء الهدوء الذي تحقق لها بعد ان توقفت فعاليات الشارع.
لو جرى زيادة الرواتب في الأردن، وتم إتباع سلسلة من الإجراءات الفورية التي تفيد في التخفيف من الهم المعيشي على الناس لجرى منذ أشهر امتصاص حالة الاحتقان في الشارع التي توظف اليوم في غايات بعض القوى الحزبية، ولن يفيد الوصول مع هذه القوى لأية تسوية في تفريغها، وقد تساهم في إجراء تشوهات على الحياة السياسية كون الإصلاحات تتم تحت ضغوطها المتغطية بحراك الشارع، وكان الأولى تجنيب آلية الإصلاح مثل هذا الوضع، وإجراؤه بعد ذلك وفقا لمصلحة الدولة الأردنية في الإبقاء على التوازن قائما في خلايا النسيج المجتمعي.