عيد العمال وغياب مفهوم «الخدمة العامة»
لا نملك بمناسبة من طراز «عيد العمال» إلا أن نزجي التحية لكل عامل خدم وأدى أو ما زال على رأس عمله داخل الوطن وخارجه من الأردنيين الشرفاء والأخوة الأشقاء العاملين بيننا.
ولا نملك إلا أن نقول للأيادي السمر والسواعد التي تخدم بصمت وصبر فتحمي وتحرس وتنتج وتزرع بدون جلبة وبعيداً عن الأضواء وفي القطاعين العام والخاص إلا أن «بارك الله فيكم ولكم يا عمال الوطن أينما كنتم وحيثما وطئتم».
نبارك بمناسبة عيد العمال لك «مغترباً» يعلي من قيمة العطاء والعمل التي أوصانا بها رسول البشرية عليه الصلاة والسلام وفي أي مكان.
ونخص بالذكر أولادنا من المغتربين الأردنيين الصابرين على سياسة إقصائهم وتهميشهم وبقائهم «خارج الإتصال» مع مؤسسات وطنهم وعلى فلسفة التحدث عنهم ومعهم فقط بالمناسبات الحرجة وتحت عنوان يحيلهم إلى مجرد «تحويلات وأرقام ورؤوس أموال» معطلة داخل الوطن وفعالة وتشاركية خارجه بدون إدماجهم فعلياً في «عقل الدولة» والهوية السياسية الوطنية.
.. تلك بكل حال مسألة أخرى.. لكن بمناسبة عيد العمال نقول : لم يعد العامل في المجتمع الكوني الجديد مجرد شخص ووظيفة من أي نوع بل أصبح وحدة للإنتاج والفعالية لا يمكن الإستهانة بتأثيرها الصلب العميق على مجمل التنمية الاقتصادية وحتى على الأمن الوطني والقومي بسبب تلك العلاقة «الجذرية» بين السلعة أو الخدمة والمهمة والإستقرار الإجتماعي.
نعم نتحدث هنا عن آفاق ورؤية جديدة لمسألة العمل والعمال تخرج من ثوب التردد والترهل والخمول والتكاسل والاتكالية.
نتحدث عن الانطلاق من «زاوية وطنية وإنتاجية» في تقييم فكرتنا عن واحد من أهم مكوناتنا الإجتماعية حيث «كتلة حرجة» من المواطنين والموظفين والحلقات الوسيطة تنحصر وظيفتها الوطنية في الانطلاق ثم التحرك من مفهوم «الخدمة العامة».
علينا أن نقر ونعترف هنا حصرياً بأن مفهوم «الخدمة العامة» في بلدنا الغالي يغيب عن التفكير الجمعي عندما يتعلق الأمر بقضايا العمل والعمال.
يغيب، ليس فقط عند بعض مكونات الإدارة في القطاع العام، إنما عن ذهنية العقل الإجتماعي.
مثل هذا المفهوم لا تسنح له فرصة الحضور والإستيقاظ وبالتالي المشاركة بالتنمية بسبب مجموعة من «التقاليد البالية في الأداء» والنظرة السلبية للوظيفة العامة والاسترخاء في الإنتاج القليل بدون رقابة أو تحفيز أو محاسبة.
يغيب لأن الترهل الإداري ما زال يلتهم الطاقات الكامنة في أوساط العامل والموظف لأن «الواسطة والمحسوبية» أصبحتا بمثابة قانون عابر للجميع وفوقهم لأن النظرة العامة مستقرة في ازدراء فكرة خدمة المجتمع و«القيام بالواجب».
ولأن الكادر العمالي يتضخم بدون دراسة متطلبات السوق واحتياجات التنمية والتنويع في الخيارات والتأهيل والتدريب ولأن المبادرات الفردية تخنق وتطارد ولأن الفكرة السائدة هي الإعلاء من شأن «الولاء الغامض» لأفراد وقوى وليس للوطن أو النظام حصرياً على حساب «الكفاءة والمهنية».
أخيراً، تغيب هذه الإيجابية في مساحة الإنتاج العمالي لأن أحداً لا يريد الإقرار بأن صناعة المستقبل تحتاج لسحق فكرة «الدولة الراعية الأبوية» ولتحفيز برنامج العمل الناشط تحديداً في القطاع العام بعيداً عن تلك المعلبات التي تؤدي لتكريس واقع مرّ ومؤلم في مؤسساتنا حيث «الزحام يعيق الحركة» فعلاً وحيث عدد الموظفين والعمال في الكثير من المؤسسات أكثر من عدد مقاعدهم وأدواتهم.
وحيث ـ وهو الأهم ـ الوظيفة ليست هدفاً منشوداً بحد ذاتها وينبغي ألا تتاح لمن لا يريد أن يعمل مع التركيز على صناعتها بعملية جراحية واسعة النطاق ولا يمكنها أن تكون محصلة لحسابات ومقولات عفا عليها الزمن بعنوان «تثبيت استقرار المجتمع» أو البيروقراطية مثلاً.
علينا أن نقر بأن هذه الأمراض والأعراض لا تستوطن القطاع الخاص الذي يجد دوماً تقنيات ووسائل للتصدي والمواجهة في درس أرى أن على القطاع العام أن يتمثله ويتعلمه.
.. نحن بحاجة ملحة ـ إذا كنا جادين ـ ونريد أن نحتفل بعمالنا ودورهم لمغادرة تلك المناطق.. عندها سيكسب العامل أكثر وسيربح المجتمع والقانون، والعوائد وطنياً ستكون كبيرة للجميع ومن أجلهم.