تحريك الساكن !
وثمة فرق كبير بين أن ننظر إلى التعليم في جميع مرحلة على أنه سيئ، وبين أن ننظر إليه على أنه ليس ملبيا لحاجاتنا في ضوء التطورات التي طرأت على نوعية المعرفة التي يعيشها عالمنا المعاصر، والتحديات الناجمة عن طبيعة الإقليم الذي ننتمي إليه، الأمر الذي أوجد حالة السكون التي تحولت إلى نوع من الجمود، وربما التثاقل في مراجعة منظومتنا التعليمية، لشعورنا بأن ذلك التراكم الطويل لمشكلات التعليم وتعقيداته يتجاوز قدراتنا على التصدي لتلك المشكلات، والاكتفاء بالشكوى والتذمر!
أعتقد أن الورقة النقاشية السابعة التي طرحها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، والتي جاءت متممة لما سبقها من أوراق، جاءت لتحرك الساكن في وقت مناسب جدا لتؤكد أن الوضع الإقليمي لا يجب أن يكون عائقا أو مبررا لانتظار ما ليس واضحا بعد، وأن جلالة الملك مطمئن لوضعنا السياسي والأمني، ويريد من القطاعات الوطنية أن تخرج من جمودها، وأن تواصل مسيرة الإصلاح الشامل بكثير من القوة والعزيمة والثقة بالنفس.
مع مطلع الأسبوع الحالي شاركت شخصيا بعدة مناسبات تركزت على تطوير التعليم في جميع مراحله، تأسيسا على الورقة النقاشية الملكية التي جاءت تحت عنوان « بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية جوهر نهضة الأمة « ولعل عناوين محاورها تشكل في حد ذاتها منطلقات لتفكير معمق يسفر عن مقترحات محددة، وحلول ناجعة بناء على تفكير إستراتيجي وخطط مدروسة، وإجراءات ملموسة، خاصة عندما نتحدث عن الاستثمار في مستقبل أبنائنا، وعن قطاع التعليم الذي وصفه جلالة الملك بأنه قطاع إستراتيجي في بلد يتطلع لأن يكون منارة للعلم والمعرفة، ونموذجا في تحديث التعليم في الوطن العربي.
لقد أنشأنا منذ ثلاث سنوات مجلسا عربيا لحوكمة الجامعات العربية، وتشرفت بتكليف المؤتمر العام لاتحاد الجامعات العربية لي بإدارة أمانته العامة التي تتخذ من عمان مقرا لها، ومنذ ذلك الحين ونحن نعمل على وضع دليل لحوكمة مؤسسات التعليم العالي، وتحويل الجامعات إلى بيوت خبرة لحوكمة القطاعات التي تؤمن بأن الحوكمة هي عملية ضرورية لتحويل الأفكار إلى واقع حقيقي، إذا ما توفرت شروط الحوكمة من خلال القوننة والمأسسة، لضمان تطبيق معاييرها القائمة على المشاركة والشفافية والمساءلة.
وفي العملية التعليمية يجب أن تتم حوكمة الإدارة التعليمية والمناهج والمساقات، ووضع ضوابط لكل شيء، لأنه من دون النص القانوني الذي يشرك أطراف العلاقة حكما وليس انتقاء سيظل التناقض قائما بين الشركاء، وهم المؤسسات التعليمية والطلبة والأهالي، بل المجتمع كله بما يمثله من قطاعات مختلفة ترتبط كلها بالمخرجات النهائية للعملية التعليمية!
ولذلك بدأنا بعقد اتفاقيات، ومذكرات تفاهم لحوكمة مؤسسات التدريب في العالم العربي على سبيل المثال، ومؤسسات الإعلام والاتصال، وعرضنا مشروعا تدريبيا لحوكمة مؤسسات القطاع العام والخاص من أجل تفعيل منظومة القيم والقواعد السلوكية باعتبارها بعدا مهما من أبعاد الحوكمة لضمان جودة الخدمات، إلى جانب أبعادها الأخرى.
ولكن أهم ما نقوم به حاليا، والذي يأتي متزامنا ومنسجما مع الورقة النقاشية الملكية السابعة هو مؤتمر حوكمة المناهج المدرسية العربية – الواقع والمأمول – الأردن أنموذجا، والذي سينعقد في رحاب جامعة الشرق الأوسط يوم الثالث عشر من شهر أيار الحالي، ويبحث في حوكمة أهداف المناهج، ومحتوى الكتاب المدرسي، واستراتيجيات التدريس، وأساليب التقويم، ودليل المعلم، ومنطلقنا في ذلك هو أن مخرجات التعليم العام تشكل مدخلات التعليم العالي، وبذلك نكون قد وضعنا لأول مرة تعريفا جديدا لمنظومة التعليم التي تفضي مراحلها إلى بعضها بعضا.
مشوارنا قد يكون طويلا، ولكن الورقة النقاشية رسمت لنا الطريق، ونحن جميعا أمام الاختبار الكبير في عزيمتنا وإرادتنا وإيماننا بأهمية الغاية التي نسعى إليها