أصنام مهنية في طريقنا لتحطيمها


بادئً ذي بدء نُهنئ معشر العُمال و أصحاب الشُغل الحُر و الذين بنوا مُستقبلهم بالجدِ و المُثابرة و حبات العرق الحلال بعيدهم الميمون و الذي يُصيغُ لنا جُملةً من المعاني تُعلي من قيم الشُغلِ و العمل.
لقد نظم الصندوق الهاشمي الملكي "مراكز الأميرة بسمة - جهد" في مُحافظة الكرك تظاهرةً مهنيةً هي الأولى من نوعها في مُحافظة الكرك تحت رعاية نائب محافظ محافظة الكرك السيد عدنان القطارنة و هي الأولى من نوعها بالتعاون مع برنامج سند بهدفِ تدريبِ الشّباب في المحافظة على تأسيس المشاريع الخاصة و بعض المهارات الهامة في سوق العمل بالإضافة للبدء بالتأسيس لإقامة أيامِ التشغيل و التمويل و هي أشياء هامة و ضرورية و للأسف أنه كُنا نحرم منها في محافظة الكرك كجزء من الأطراف حتى و كأننا لسنا ضمن حسابات القائمين بالترويج لسياسة التشغيل و داعميها.
إنه بات من الضروري دعم الشّباب الأردني الطموح حقاً بعيداً عن المعالجات التقليدية لمواجهة البطالة ، فمن غير المعقول و نحن نعاني تفشياً ظاهراً لظاهرة البطالة المقنعة في الجهاز الحكومي المتضخم أن تكون حلول البطالة محسورة في مزيدٍ من التعيينات في مؤسسات حكومية تعاني التخمة حتى أنها لم تعد قادرة على البلع.
و هنا نشير الى ما يعيد تكراره معالي وزير العمل الأكرم علي الغزاوي ليلاً نهاراً حول التشغيل و التشغيل الذاتي و نجم عن ذالك تنظيم أيام التشغيل الوطني في عاصمتنا الحبيبة و المحافظات الرئيسة في حين و للأسف تجدُ محافظات الجنوب و خاصة الكرك ضعفاً في الترويج و هزالةً في الفرص و إنحسارها بمشاريع المدينة الصناعية و بعض الشركات دونما وجود لأية فرص لمضاعفة المشاريع الاستثمارية و نقل الاستثمارات من المركز الى الاطراف دعماً لها و مصاحبة ذالك التدريب.
إذ في حين تتواجد المعاهد المهنية في المحافظة إلا أنها و في مُجمل وضعها العام تعاني مشاكلً في الترويج و الإعلام عن دوراتها مما يكون إحدى أسباب ضعف الإقبال عليها عدا عن ضعف ميزانياتها المالية.
و هذا يتطلبُ إجراءاتٍ نأمل من مجلس المحافظة و المجلس التنفيذي وضعها في الحُسبان دعماً للقطاع الشّبابي و المهني في المحافظة كإحدى المحافظات التي تعاني من ضعفاً في الفرص.
و في سياق إحتفالنا بعيدِ العُمال فإننا هنا لن نتحدث عن ثقافة العيب بمجتمعنا فالمجتمع الذي يقوم شاب جامعي فيه بالعمل كعامل نظافة مثلاً و تقوم السيدة فيه بالعمل في مجال صيانة المنازل و أجهزة المنازل و إن كانت في شروط معينة هو مجتمع إنعتقَّ من ما يسمى زوراً ثقافة العيب.
و من المُعيب علينا كُتاباً و أصحابَ فكرٍ و قلم أن نبقى مُتخندقين في تصوراتٍ مهنية بالية فمهنة كعامل النظافة كانت قبل فترة وجيزة محصورة بالعمالة الوافدة في حين أن بلدية الكرك الكبرى مثلاً و هي محافظة من الاطراف شغلت أعداداً من الاردنيين كعمال نظافة و هناك أعداد تنتظر فرج ربها لتعمل بذات المهنة و لا ننسى أنه و في يومٍ من الأيام صرح إحدى مسئولي أمانة عمان و تخونني الذاكرة هنا في ذكره أن هناك أعداداً من الاردنيين يقبلون على هذه المهنة.
في تلك الفترة قال البعض أن ذالك مرتبط بأن العاصمة كبيرة و لا أحد يعرفك في حين أنه و من خلال معايشة كاتب هذه السطور "كونه بكل فخر عمل كعامل نظافة" للعمال في بلدية الكرك الكبرى كنموذج لمحافظات الأطراف فإنني شاهدتُ عدداً ليس قليلاً من الزُملاء من الجنسية الاردنية و على مدار شهرين من العمل.
إن معلوماتٍ مثلُ هذه و رفض الدكتور حسين محادين عبارة "ثقافة العيب" و هو أكاديمي مختص بالشأن الإجتماعي تشي بجلاء في وجه كل من ينادي بعكس ذالك عدم دقة و صدقية كلامه عن أن شبابنا ما زالوا يعانوا من تابوهات في العمل المهني.
إننا لا ننكر هنا بعض الشباب من يقول لك بالعيب و بشكلٍ خجول و هذا ديدن التغير الثقافي في المجتمعات الإنسانية و نحن بحكم الظروف الاقتصادية و كجزء من هذه المنظومة الانسانية شهدنا و نشهد تطورات ثقافية رجت و دمرت الأصنام في بعض العقول إزاء المهنة و العمل المهني.
هي أصنامٌ نحطمها في نظامنا التعليمي و الذي يجب أن يقدم نماذج عملية و يضاعف من خلال التدريب المهني في المدارس و الجامعات عوضاً عن مكان التدريب المهني الأساس في معاهد مؤسسة التدريب المهني و الشركاء ، إنني أذكر عندما قرأت سيرة العسكري الاردني بطرس الحمارنة في كتابه الموسوم "زراع الحياة" كان يتحدث عن مدارس القدس و التي كانت تحوي إضافةً للمواد العلمية تدريباً على الزراعة و بعض المهن و الحرث في حين أن مدارسنا العصرية تبعد عن تلك الحقبة الذهبية بإمتياز مئات الآلف من السنين الضوئية و العودة لذالك النموذج المقدسي في التعليم إبان نشأت المدارس الألمانية التي تحدث عنها الكاتب العسكري بطرس إسحاق الحمارنة يحتاج الى ملايين الدنانير لتأسيس بنية لذالك فقط.
لقد تراجع مستوى طالبنا المدرسي و الجامعي عندما حصر في تعليم تلقيني غث ليس هنا مجال الحديث عنه و لكن ثقافة التشغيل اليوم ضرورة و المدرسة و مناهجنا التعليمية التي أسس لتطويرها مركز تطوير يجب أن تواكب السوق و ألا تبقي الطالب بين متون الكتب و الطباشير.
إن الورقة النقاشية لجلالة سيد البلاد السابعة تضمنت التوجه للتعليم المواكب للسوق لا أن نبقى رهيني التقليد الرث الذي ورثناه من عقود الانكسار و الضعف.
التشغيل الذاتي بات ضرورة و نحن نرى بأم أعيننا شبابنا الذين لا يجدون ما يسد رمقهم ينقمون على المجتمع و ينحرفوا مرتكبين أبشع الجرائم و يلتحقوا بالجماعات المتطرفة.
و نحن اليوم أحوج ما نكون في جميع مؤسسات المجتمع المدني الى أشبه ما يكون بثورة فحتى المحاضرات و الدورات يجب أن تركز على خطاب الشارع و الحياة و ألا تبقى محسورة في نظريات عقود التخلف و الانكسار التعليمي.
إنني أمل من وزارة التربية و التعليم ممثلة بوزيرها الشاب الذي تفاءلتُ به خيراً بعد ثورته على مسلسل التوجيهي التراجيدي الأعرج الذي عانينا منه شر معاناة سنواتٍ طوال و نحن نتجرع ظلام تركيزه على التفكير العام بدلاً من التفكير المتخصص و الذكاءات المتعددة أن يكون جُل تعليمنا العام و العالي مؤهل لسوق العمل.
و كل عام و عمال الوطن بخير.