ثقافة تحطيم الرادارات

ما الذي يحدث للثقافة المجتمعية في بلادنا، وكيف تصبح ممارسة العداء للمال العام هواية يمارسها عابثون بدون خوف من ردع أو عقاب؟ ولماذا تظهر بقوة ممارسات مخجلة مثل تحطيم كاميرات الرادار في مناطق مختلفة من المملكة وضعت للحد من الحوادث المرورية ومراقبة السرعات الزائدة والقاتلة، رغم أن هناك كاميرات مراقبة للسرعة في عمان تحديدا موجودة منذ العام 2004، ووضعت دفعة أخرى منها في عامي 2014 و2015؟
السلوك الراهن يحتاج إلى قراءة أخرى لا تكتفي برفض الناس لسياسات الجباية ولمزيد من الاعتماد على جيوب المواطنين، فالمتضررون من سياسات الجباية ومن فشل التنمية لا يعنيهم كثيرا وجود نظم مراقبة متقدمة لضبط السرعة والمخالفات على الطرق، فهم في الأغلب لا يمارسون هذه المخالفات ولا يوجد عندهم ترف ارتكاب تلك المخالفات. إن المسألة ترتبط بحجم العطب الثقافي المرتبط بالسلوك الذي أصاب فئات عريضة من أبناء الطبقة الوسطى الأردنية. علينا الاعتراف أن حالة الاستقواء على القانون ما تزال مهيمنة لدى فئات واسعة ومصدرها حالة الاسترخاء في تطبيق القانون والانتقائية في إنفاذه خلال السنوات الماضية. وعلينا الاعتراف ان هناك فئة، ربما تكون صغيرة لكنها موجودة ومؤثرة، بنت ثروات ونفوذا وهيمنة بالاستقواء على القانون جهارا ونهارا وتعتدي يوميا على الطرقات وعلى المصالح العامة وعلى الممتلكات العامة، وفي الأغلب، تفلت من العقاب.
تحتاج السلطات الثلاث إلى التكاتف خلف فكرة الجبر القانوني، أي ما قد يصل إلى حد التطرف في الالتزام بتطبيق القانون بدون هوادة، ليس كي يستعيد القانون مكانته وحضوره، وحسب، بل لفرض ثقافة الحق والشرعية والعدل وتكافؤ الفرص في سلوك الأفراد والجماعات وفي حياتهم اليومية، حتى تتحول القواعد القانونية الى جزء من السلوك اليومي للناس، أي الى تقاليد لها قوة معنوية كبيرة قادرة على الاستمرار حتى لو نسي الناس القانون. هناك العديد من الأمثلة على أهمية فكرة الجبر القانوني في مسار بناء الدولة وكيف تحولت القواعد القانونية إلى تراث بعدما أصبحت جزءا من الثقافة اليومية التي يتنفسها الناس.
هناك حنين لهيبة القانون والنظام العام يزداد حضوره بقوة جارفة وسط العامة، بعدما تيقنت الاغلبية ان تراجع مكانة الدولة والقانون يضرب مصالحهم في العمق ويخدم مصالح أقلية بالفساد والاستقواء، وبعدما أصبح الصوت العالي هو الصوت المسموع في اركان الدولة والاستقواء منهجا متبعا في تحقيق المصالح، فيما اهتزت مكانة وصورة من يقوم على تطبيق القانون، نسمع يوميا أخبارا وقصصا يرويها الناس بحسرة كلها تصب في تراجع مكانة القانون وحضوره.
المقصود هنا، أن الدولة الوطنية التي ينجزها عقد اجتماعي ناضج يحسم كل صراعات وتناقضات الكل الاجتماعي لمصلحة الدولة التي هي في المحصلة مصلحة الفرد، ومجموع مصالح الأفراد في المحصلة أيضا مصلحة الدولة؛ هي الدولة القادرة على جعل صيانة القانون وحمايته مهمة مقدسة فوق كل الاعتبارات لا يُقبل فيها مساومة ولا تحتاج إلى تأجيل، ولا يمكن تصور أن تقبل دولة عاقلة تبحث عن الاستقرار والاستمرار ان تكون فيها جماعات أو أفراد فوق القانون ولا مناطق لا تصلها يد القانون، ولا قضاة ترتجف أياديهم في القبض على جمر صرامة القانون وسيادته.
الأمر الذي يفسر لماذا تملك الدولة وحدها القوة وتحتكرها، ولماذا يقر العقد الاجتماعي بين الدولة ومجتمعها هذا الحق في الاحتكار. علينا الالتفات جيدا إلى أن القانون هو المصدر الأول والأساسي لإعادة بناء ثقافة المجتمعات.