رايحين على الحج والناس راجعة
نشط الصحفي محمد السيد لتشكيل حركة سياسية جديدة في مناطق 48 من أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة ، يغلب على رفاقه من المشاركين الخبرة السابقة نتيجة عملهم مع أحزاب عربية مماثلة تركوها لسبب أو لأخر ، فاكتسبوا رؤى ونشاطاً عكس نفسه منهجياً وبرنامجاً على شكل ومضمون حركتهم " الكرامة والمساواة " ، ومن أفراد مستجدين يتوسلون تلبية إحتياجاتهم والتجاوب مع تطلعاتهم في العمل العام وصولاً إلى مواقع جماهيرية كالبلديات أو البرلمان أو غيرها من أدوات سياسية تنهي حالة التمييز التي تواجههم ، وتحقيق المساواة التي يسعون إليها في بلدهم ، إضافة إلى إحساسهم بالمسؤولية نحو الشق الثاني من مكونات شعبهم في مناطق الإحتلال عام 1967 ، في الضفة والقدس والقطاع .
محمد السيد إبن مدينة حورة البدوية بمنطقة النقب ، سبق له وأن عمل مع مؤسسات إعلامية فلسطينية وعربية ودولية توجت بعمله المعلن مع " لجنة التواصل " التي يرأسها محمد المدني عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والمتفرغة بنشاطها والمختصة بجهدها للعمل مع أوساط إسرائيلية عبرية مختلفة بهدف كسب مواقفها وتسهيل إنحيازها لعدالة المطالب الفلسطينية : ضد الإحتلال ، ضد الإستيطان ، ومن أجل حل الدولتين ، وجهده هذا في العمل مع مؤسسات منظمة التحرير وسلطتها الرسمية في رام الله إنعكس عليه إيجاباً وسلباً في نفس الوقت ، فالهوية الوطنية الفلسطينية وقوميته العربية فاقعة بوضوح في تكوين ومضمون حركته السياسية ، ولكنه رغم عمله في " لجنة التواصل " الفتحاوية الفلسطينية مع المجتمع الإسرائيلي لم تنعكس على موقفه حول رؤية حركته السياسية وعلى مضمونها نحو إتخاذ موقفه في كيفية التعامل مع مكونات المجتمع الإسرائيلي ، هل هذا جائز أم لا ؟؟ وهل هذا ممكن أو يتعذر ذلك ؟؟ وما هو الموقف في الحالتين : 1- حالة العمل مع إسرائيليين مؤيدين لحقوق الفلسطينيين أو 2- مقاطعتهم ، وإزاء الحالتين لم ينعكس الموقف في وثائق الحركة الصادرة عن المؤتمر التأسيسي ، فالوثيقة الصادرة عن المؤتمر لم تتطرق إلى أهمية النظر إلى الشراكة العربية العبرية ، والفلسطينية الإسرائيلية وقد خلت وثيقة العمل السياسية من أي إشارة للعمل مع المجتمع الإسرائيلي إن كان بمضمون عضوية حركته حيث تشير بوضوح إلى أن كل " عربي " يحق له أن يكون عضواً فيها كما دعت النساء العربيات إلى الإنضمام إلى الحركة وأخذ دورهن فيها ، وهذا يعني أن عضويتها تقتصر على العرب فقط دون العبرانيين أو اليهود أو الإسرائيليين في مجتمع بات شريكاً لبعضه البعض ، وإن كان قائماً على التمييز ، فالأحزاب الصهيونية القائمة لا تخلو من عضوية عربية في مفاصل مؤسساتها القيادية بما فيها التمثيل في البرلمان الذي يضم خمسة نواب عرب تم إنتخابهم للكنيست عبر أحزابهم :
1- أيوب قرا – حزب الليكود .
2- حمد عمار – حزب إسرائيل بيتنا .
3- زهير بهلول – تحالف المعسكر الصهيوني ( حزب العمل ) .
4- عيساوي فريج – حركة ميرتس .
5- أكرم حسون – حزب يوجد مستقبل .
وسياسة الأحزاب الصهيونية هذه ليست جديدة على أي حال بل هي قديمة منذ قيام دولة المشروع الصهيوني الإسرائيلي عام 1948 ، وحتى يومنا هذا ، رغم أن هذه الأحزاب تتبنى سياسة عنصرية وتُشرعها عبر نوابها في البرلمان ، وتقود عبر ممثليها من الوزراء في الحكومات المتعاقبة سياسة التمييز الفاقعة ضد الوسط العربي الفلسطيني ، ولكنها لا تستطيع أن تغلق عضويتها أمام المشاركة العربية الفلسطينية لسببين : أولهما سبب تضليلي كي لا تظهر أمام المجتمع الدولي أنها تمثل مكوناً واحداً من المجتمع الإسرائيلي وهو المكون اليهودي من دون مشاركة المواطنين العرب وهم خُمس سكان مناطق 48 ، وثانيهما أنها بحاجة لأصواتهم التنافسية بإعتبارهم مخزن للأصوات يتم توظيفه في العملية الإنتخابية سواء للبلديات أو للبرلمان ، مما يجعل السؤال طارحاً لنفسه بقوة وهو إذا كان المجتمع اليهودي الإسرائيلي متفوقاً وعنصرياً بأغلبيته وثقافته ومع ذلك فهو يفتح أبواب مؤسساته الحزبية والبلدية والبرلمانية والنقابية للشراكة العربية الإسرائيلية ، فكيف يكون موقف الضحية والحلقة الضعيفة التي تفتقد لروافع عربية وأممية تساندها ، فكيف لها مقاومة التمييز والعنصرية والظلم الذي تعاني منه ، وهي تعزل نفسها عن باقي مقومات المجتمع ، وتفتقد لقطاعات قد تكون مؤيدة لها وإذا لم تكن كذلك فعليها واجب تنبيه هذه القطاعات المغفلة وتوضيح معاناتها وكسب دعمها ، خاصة وأن قطاعات يهودية وفيرة سبق لها وعانت من الظلم والتمييز في أوروبا على أيدي النازيين والفاشيين فكيف تسمح لنفسها ممارسة الظلم والتمييز ضد الفلسطينيين ، ويواجهون أدوات القهر من قبل المؤسسات الرسمية الإسرائيلية ، كما كانت تفعل النازية والفاشية ضد الطوائف اليهودية في أوروبا .
والحقيقة التاريخية والسياسية أن الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة قد تنبها لأهمية هذه الشراكة ، منذ وقت مبكر ، فعملا على النداء لتحقيق هذه الشراكة وتعزيز الخيار نحو توطيدها ، ولكنهما خلافاً للأحزاب الصهيونية ، عملا ( الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية ) على إقامة علاقات ندية متكافئة بين الشعبين رغم صعوبتها وضعفها ، وترسيخها في مواجهة المشروع الإستعماري الصهيوني برمته والتصدي لسياسات التمييز والعنصرية التي يمارسها ويشرعها ويعمل على أساسها في مناطق 48 ، مثلما التصدي لسياساته الإحتلالية الإستيطانية في مناطق 67 .
ورغم التحفظ الخفي من قبل الأحزاب العربية العاملة لدى الوسط العربي الفلسطيني في مناطق 48 ، بدءاً من الحركة الإسلامية والحزب الديمقراطي العربي ، والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة العربية للتغيير ، والتي نالت عضوية البرلمان وغيرها من الحركات السياسية ، التي لم تشأ أو لم ترغب أو لم تحصل على جذب عناصر يهودية إسرائيلية لعضويتها ، فقد نجحت الجبهة الديمقراطية والمساواة في التوصل لإتفاقات عملية ملموسة تقوم على عنصر الشراكة عبر الإئتلاف المعلن الذي تحقق يوم 22/1/2015 ، بين الأحزاب الأربعة : الجبهة الديمقراطية والحركة الإسلامية والتجمع الوطني والحركة العربية للتغيير ، لخوض إنتخابات البرلمان الإسرائيلي يوم 17/3/2015 ، وحصلوا على 13 مقعداً ، بما فيهم النائب اليهودي الإسرائيلي دوف جنين وكان مقعده الثامن في القائمة المشتركة ، وبالتالي لم يكن النجاح للقائمة المشتركة هو العامل الوحيد الذي حققه وتميز به الوسط العربي الفلسطيني في مناطق 48 ، بوحدة تحالفه ونيله الكتلة البرلمانية الثالثة في الكنيست ، بل جاء تشكيل القائمة المشتركة وضمها عرباً ويهوداً فلسطينيين وإسرائيليين ، ليكون ردهم بإدارة موقف سياسي موحد وتنظيم إئتلافي متماسك ضد العنصرية والتمييز ، وضد الإحتلال والإستيطان ، مما وفر وسيوفر أرضية موحدة للعمل الثنائي وعلى قاعدة القواسم المشتركة ضد العزلة والأنكفاء .
إذن تتضح صورة المشهد السياسي والحزبي في مناطق 48 ، وهو أن العمل المشترك بين الشعبين بات ضرورة وواقعاً ، ولكن عبر رؤيتين وأسلوبين مختلفين جوهرياً ، وإن كان على المستوى الشكلي الأجرائي يتبين أنهما واحد ، فالرؤية الأولى وأسلوبها هو تطبيقات الأحزاب الصهيونية التي تُشرك عناصر عربية في مؤسساتها تقبل لنفسها أن تعمل وفق سياسات هذه الأحزاب المتمسكة بمشروعها الإستعماري الصهيوني التوسعي ، والثانية الأحزاب العربية وفي طليعتها الجبهة الديمقراطية القائمة على أساس الشراكة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بين العرب واليهود ، في مواجهة المشروع الصهيوني برمته .
ولهذا يمكن الحكم بسهولة على مشروع حركة المساواة والكرامة ومؤتمرها التأسيسي الذي عقدته يوم 17/3/2017 ، على أنها قامت على فكرة تقليدية بدأت تنحسر وتتراجع منذ الشعار الوطني القومي الذي رفعه عبد الله نمر درويش وعبد الوهاب دراوشة عبر تحالفهم عام 1996 ، وخوض الإنتخابات معاً عبر القائمة العربية وهو شعار " الصوت العربي للنائب العربي " حيث ظهر لاحقاً مؤسس الحركة الإسلامية ومرشدها عبد الله نمر درويش أنه لعب دوراً مؤثراً في إقامة القائمة المشتركة عام 2015 ، وقبوله والدفاع عن مشاركة النائب دوف حنين ضمن القائمة وليس سراً إذا قلنا أن نجاح هذه الفكرة ورسوخ هذا التوجه ، سينقل الوسط العربي الفلسطيني في مناطق 48 بأغلبيته نحو ضرورة المشاركة العربية اليهودية الفلسطينية الإسرائيلية وتوسيعها في الخطوات الإنتخابية والسياسية ولإئتلافية المقبلة ، وهو التوجه السائد الأن لدى قيادات الأحزاب العربية ، وقياداته في هذا المجال الثلاثي : محمد بركة وعبد الله نمر درويش وجمال زحالقة .
الوسط العربي الفلسطيني داخل مناطق 48 ، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة بحاجة لعمل دؤوب يومي متتابع وتراكمي ، من أجل كسب إنحيازات إسرائيلية يهودية لعدالة قضاياهم وهذا يتطلب من أحزابهم العربية العمل على جبهتين أولها فتح أبواب أحزابهم لشراكة يهودية إسرائيلية للإنخراط في مؤسساتهم الحزبية ، أو ثانيها التحالف مع أحزاب وشخصيات يهودية إسرائيلية للعمل معاً من أجل عنوان محدد وتحقيقاً لمصلحة مشتركة بين الطرفين ، على طريق بناء أسس جديدة ، وقواسم عمل مشتركة ، وسياسة تحالف جدية ، في البرلمان ومع الحكومة وضدها .
h.faraneh@yahoo.com