بصيص من نور على طريق إنهاء كابوس «التوجيهي»


شكلت الورقة النقاشية لجلالة الملك - حفظه الله - منارة لأي عملية تطوير في مجال التعليم والتعليم العالي في الاردن وتطوير الموارد البشرية بحيث تتناسب مع الثورة العلمية الموجودة في العالم بعيدا عن الجمود وطرائق التعليم التقليدية.


فقد ارسل جلالة الملك رسائل واضحة حول الاهتمام بالتكنولوجيا الحديثة وادخالها في التعليم الى جانب الاهتمام باللغات الاخرى وبالتركيز على لغة الحوار في تعليم الطلبة، وكذلك تأهيل المعلمين وتطوير قدراتهم عبر احدث البرامج التدريبية.

وكذلك شدد جلالة الملك على ضرورة ان ينال كل مواطن الفرصة الكاملة لان التعليم حق مكتسب لكل مواطن لتمكينه من التعلم والابداع والتفوق عبر الارتقاء بمستوى التعليم وطرائقه الحديثة. كما دعى جلالته القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية ومجلس النواب لعمل ثورة في قطاع التعليم في المملكة.

ومن الواضح الرؤية الثاقبة والمتكاملة لدى معالي وزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز والذي له شرف السبق في ايجاد حلول واقعية وعملية للخروج من هذا النفق المظلم (التوجيهي) وانعكاساته السلبية على المجتمع اولا وعلى مسيرة التعليم في بلدنا العزيز ثانيا، حيث اثبت ان التوجيهي ليس شيئا مقدسا وهو مقياس قابل للتعديل والتطوير وحتى الالغاء وفق مصلحة التعليم في بلدنا العزيز وتماشيا مع التقدم والتطور الذي يشهده قطاع التعليم في مختلف بلدان العالم.

ان نجاح وابداع الطالب بتخصص معين سواء في الجامعة او في الدبلوم ليس مرتبط بنجاح الطالب في الثانوية العامة (التوجيهي) بل يتوافق ذلك مع تفوق الطالب بالمواد التي يدرسها والتي لها علاقة بالتخصص الذي ينوي دراسته، لذلك ما طرحه معالي الدكتور الرزاز من تعديلات على امتحان التوجيهي بدءاً من العام القادم ما هو الا خطوة هامة على طريق انهاء هذا الكابوس واصلاح التعليم في الاردن، فالانتقال من معدل العلامات في التوجيهي الى مجموع العلامات من (1400) مترافقا مع علامات المواد المتعلقة بالتخصص المرغوب ليصبح قبول الطالب مرتكزا على اسس علمية صحيحة تضمن قبوله في التخصص الذي يرغب وبالتالي نجاحه في حياته العلمية والعملية في المستقبل... (فإذا كان الطالب متفوقا في الرياضيات والاحياء والفيزياء مثلا فيستطيع اختيار تخصص مثل الطب او الصيدلة او الهندسة) وهكذا... الخ, فليس لزاما على الطالب النجاح بتفوق في كل المواد وبذلك نلغي من القاموس موضوع الناجح والراسب ونركز على الاهم, اين يرى الطالب نفسه في اي تخصص ومجال يبدع وينجح في حياته العملية.

لقد استطاع معالي الوزير بذكائه ان يتقاطع مع خطة تنمية الموارد البشرية ليلتقي بخطته مع الاهداف والطموحات لهذه الخطة وبالتنسيق مع معالي وزير التعليم العالي الاستاذ الدكتور عادل الطويسي ( الذي له باع طويل في التعليم العالي وقام ببعض التعديلات المناسبة لوضع القطار على السكة) فيما يتعلق بقوانين وتشريعات التعليم العالي لايجاد منظومة متكاملة تحقق العدالة والاستقلالية للجامعات ليلتقوا جميعا مع خطة اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية والرسالة الاخيرة لجلالة الملك حفظه الله للنهوض بالتعليم لان جلالته يدرك ان الحضارات لا تنهض ولا تتطور الا اذا كان هناك تعليم حديث ومتطور ينطلق بالاردن الى مصاف الدول المتقدمة والمتطورة.

ان وزارة التربية بهذا التوجه تصنع حلولا للعديد من الاشكالات وخاصة في قراراتها الاخيرة بمعالجة مشكلة ما يقارب ربع مليون طالب وطالبة لم يتقدموا لامتحان التوجيهي او رسبوا فيه باعادة الامل اليهم خوما عليهم من التطرف والبطالة وفتح افاق مستقبل مشرق امامهم وهذه هي الحكمة المطلوبة من حكومتنا ومسؤولينا لانهم استشعروا الخطر من وراء تدمير جيل كامل بانهاء مستقبلهم برسوبهم بالتوجيهي لذلك فان فتح الطريق لتطوير وسائل القياس والتقويم بشكل عميق تقيس قدرات الطالب الحقيقية هو السبيل الحقيقي للابداع وتشجيع المواهب والقدرات الشبابية.

ان التنسيق بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي (لجنة القبول الموحد ومجلس التعليم العالي) ليكون للجامعات دور هام في عملية قبول وتصنيف الطلبة حسب قدراتهم وامكانياتهم ستسنح الفرصة للطلبة للتعليم الجامعي او التعليم التقني اوالمهني بدلا من وجودهم ضمن طوابير البطالة. لذلك هناك دور على جامعاتنا الحكومية والخاصة بتطوير مساقاتها وبرامجها بما يتناسق مع الخطوات التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم ناهيك عن الدور المهم بتاهيل معلمي المدارس وتطوير المناهج والذي اعتبره هو حجر الاساس في منظومة التعليم كاملة لان الاستاذ بشكل عام هو رأسمال العملية التعليمية.

يجب علينا التحرر من بعض المفاهيم الخاطئة التي تم ويتم تداولها حاليا، نورد امثلة عدم فتح تخصصات جديدة في الجامعات الخاصة يعزوه البعض الى البطالة مثلا او الى التوجه للتعليم التقني او المهني، طبعا هذه اسباب ومفاهيم خاطئة يتداولها المسؤولون بدون دراسة لان البطالة نسبية واسبابها كثيرة، والعمل لا يعتمد فقط على الشهادة الجامعية بل يعتمد على قدرات الانسان الشخصية وابداعه، حيث نجد في كل بلدان العالم اعدادا كبيرة من المهندسين والاطباء والمعلمين والصيادلة... الخ، فالانسان يدرس الان من اجل عدم الشعور بالنقص مع اقرانه (على الاقل عندما يريد ان يتزوج حسب عاداتنا في مجتمعنا اول سؤال يسأل ماذا درست؟ من اي جامعة تخرجت؟) نحن لنا في مجتمعنا الاردني ثقافة مختلفة والعلم له اهمية استثنائية اجتماعية قبل ان تكون اقتصادية، لذلك نرجو ان نفهم مجتمعنا وللعلم هناك ثلاثون الف طالب اردني يدرسون سنويا خارج الاردن في مصر ولبنان والامارات وامريكا واوربا، اليس من الاولى فتح هذه التخصصات في جامعاتنا الخاصة « وهي جامعات وطنية « وجذب طلاب من خارج الاردن لرفد السياحة التعليمية وانعاش اقتصادنا.

لذلك نرجو من مسؤولينا اعادة اسلوب التفكير بسياسة القبول والتخصصات المطلوب استحداثها في بلدنا العزيز والخروج من «القمقم» الذي وضعنا وقيدنا انفسنا به.

واخيرا وليس اخرا نتمنى ان نحذو حذو جلالة الملك والملكة باسلوب التفكير الشامل وتنفيذ رؤى جلالتيهما في تنفيذ خطة تنمية الموارد البشرية للوصول ببلدنا الى مصاف الدول المتقدمة والمتطورة.