بين حرية التعبير و بين الرغبة بالتشهير والتدمير

يبدو أن البعض لم يصل بعد الى مستوى الفهم الواضح لمعنى حرية الرأي والرأي الاخر ، ويبدو أن الكثيرين لا زالوا يخلطون بشكل مضحك حينا ومبكي حينا اخر بين مفهوم المطالبة بحرية التعبير بأسلوب حضاري متقدم وبين تطبيق مبدأ تدمير مقدرات الشعب والامة بطريقة فوضوية انفلاتية تحت عناوين المطالبة بالاصلاح والتغيير ، ونسوا أو تناسوا بأن كل سيارة عسكرية أو حكومية يتم تحطيمها أو كشك أمني يتم احراقة أو مبنى حكومي يتم الاعتداء عليه سيتم اعادة تأهليه أو شراؤه من مقدرات الوطن وخزينة الدولة الاردنية بدلا  من توجيه مثل هذه المخصصات نحو أمور أكثر أهمية والحاحا ، والاهم من كل ما سبق ، ان اجتياز البعض لخط الاجهزة الامنية الاحمر  وبدون مبرر مقنع أو منطقي يعد تجاوزا على هيبة الدولة بكل المعاني والمقاييس ، ويمهد لتلويث العلاقة الطيبة التي كانت وما زالت تحكم علاقة المواطن مع مختلف أجهزة الدولة وبالخصوص الاجهزة الأمنية الاردنية التي كانت على الدوام مفخرة بالانتماء والولاء والضبط والربط العسكري .

 

 

حادثتان جرتا مؤخرا ، أوضحتا بما لا يدع مجالا للشكل بأن منطق تغول وتسلط الاجهزة الامنية على المواطن ليس بالضرورة صحيحا دائما ، أولهما حادثة اعتصام السلفيين في مدينة الزرقاء قبل ما يقارب الشهرين وما رافقها من اصابات في صفوف قوات الامن بشكل لافت ، وثانيهما حادثة الاحتكاك التي رافقت زيارة جلالة الملك الى مدينة الطفيلة مؤخرا ، وما نتج عنها من اصابات في صفوف المواطنين وقوات الامن ، وما أثير عن تلك الحادثة من تضخيم اعلامي وتشوية للحقائق ، كشف عن عجز الاعلام الرسمي الاردني بالتصدي لها بشكل قوي ، بل كان الرد الرسمي خجولا ومتواضعا وتم الاكتفاء بنفي الخبر وأنه عار عن الصحة ، دون تقديم رواية مختصرة وموضوعية ومقنعة لما جرى ، وانه كان ناتجا عن حنق مجموعة من شباب المحافظة لاستبعادهم من القاء كلمة بين يدي جلالة الملك تحتوي على مجموعة مطالب تهم المحافظة وخاصة فئة الشباب،مما أدى الى حدوث ذلك الاحتكاك مع قوات الامن وتطوره .!

 

 

 

 

 

هاتان الحادثتان تحديدا كشفتا عن ثلاثة أمور في غاية الاهمية :-

 

الامر الاول :- ان المراقب لمجريات الاحداث يستطيع أن يستشف ان هناك تعليمات واضحة ومحددة بعدم الاحتكاك والتدخل الامني الخشن مع المواطنين الا في أضيق الحدود الممكنه ، وبما يكفل سلامة المواطنين والممتلكات العامة والخاصة.

 

الامر الثاني :- أن هناك تجاوزات بدأت تطفوعلى السطح من بعض المواطنين والحركات السياسية ضد قوات الامن ، مستغلين أجواء الانفتاح الديموقراطي والظروف التي تمر بها المنطقة العربية من حركات شعبية مطالبة بالحرية والاصلاح .

 

الامر الثالث :- قصور الاعلام الرسمي في تصديه لكل محاولات الفبركة الاعلامية التي تقوم بها بعض وكالات الانباء والفضائيات  تجاه بعض الاحداث التي تحدث داخل الوطن ، وتضخيمها بشكل يسيء الى سمعة ومكانة الاردن الدولية .

 

الاصلاح ومكافحة الفساد أصبحا عناوين بارزة واستراتيجية كما وعد جلالة الملك ، لكننا بحاجة الى قليل من الصبر والثقة ببعضنا البعض لتجاوز هذه المرحلة الحساسة من تاريخ وطننا الغالي ، وعلينا الانتقال من مرحلة الاعتصامات والمظاهرات وقتل الوقت الى مرحلة بناء الاحزاب الوطنية القوية القادرة على  المساهمة في تشكيل برلمان قوي وممثل لكافة شرائح المجتمع بحيث تعود بوصلة العطاء والانتماء والثقة بالوطن والقيادة والشعب كما كانت عبر عشرات السنين . 

 

حمى الله الاردن وطنا حرا عزيزا، وحمى قيادته وشعبه ومنجزاته ومقدراته من كل سوء .