حزب للتيار المدني الديمقراطي؟!


هناك مناقشات لمشروع حزب موسع يتسم بالمرونة والتعددية يمثل كل الوسط التقدمي الذي يضم ليبراليين وعلمانيين واشتراكيين وعروبيين يجمعهم الإيمان بفكرة الدولة المدنية ومبادئ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وقد تنضم أحزاب قائمة للمشروع الجديد باعتباره صيغة تحتمل التنوع ضمن المساحة الممتدة من اليسار الى الوسط.

هذه المحاولة ليست الأولى ففي منتصف التسعينيات التقت مجموعات غادرت أحزابها القومية واليسارية العقائدية القديمة وقررت تشكيل حزب موحد للتيار الديمقراطى، وقد تشكل بالفعل تحت اسم الحزب الديمقراطي الوحدوي؛ لكن التجربة تعثرت عند أول منعطف لأن الخلاف حول بعض القضايا الداخلية والخارجية تحول إلى تخندق وعداء انتهى بانشقاق، وثبت أن الناس لم تتعلم بعد مفاهيم التسامح والتعدد وحفظ الوحدة بالربح أو الخسارة. وهكذا انحسر الحزب وتابع تحت اسم حزب اليسار الديمقراطي ثم مؤخرا تحت اسم الديمقراطي الاجتماعي.
قبول التنوع والاختلاف هو سمة الأحزاب الحديثة البرامجية، حيث يمكن أن تتواجد آراء واتجاهات تختلف وتتصارع وتعبر علنا وتدعو لوجهة نظرها لكن الجميع في النهاية يقبلون بالقرار الذي يحقق الأكثرية بما في ذلك من يكون على رأس الحزب و مرشحو الحزب للحكومة او البرلمان، وتشهد الانتخابات الداخلية للأحزاب تنافسا مريرا ليس سريا ولا تآمريا بل علنيا مفتوحا أمام الجمهور وفي النهاية من يخسر ينضم جنديا تحت قيادة الفائز.
أعتقد أن الصورة واضحة أمام العاملين من أجل هذا المشروع ومنهم الشباب الذين قادوا الحملة الانتخابية لقائمة "معا" في عمان؛ فالمرونة وقبول التعدد وحق التعبير العلني عن الاختلاف في إطار الوحدة هو شرط النجاح، لكن للحقيقة هذا يضمن الاستقرار وعدم الانقسام، لكن نجاح الأحزاب في الأردن قصة أخرى. وما أفكر فيه هو ما جدوى تشكيل حزب بمواصفات ممتازة إذا كان مصيره مثل باقي الأحزاب ولن يتمكن بفعل الواقع الحالي لبنية الدولة والنظام والمجتمع من تحقيق أي اختراق والتحول إلى حزب برلماني لديه حصة معتبرة من المقاعد؟!
هل ثمة مبرر لتشكيل حزب ليس محتملا أن يتمكن من خوض الانتخابات على مستوى وطني وتحقيق عدد معقول من المقاعد بما يؤهله لتشكيل حكومة أو المشاركة في ائتلاف يشكل حكومة؟! إذا كان ذلك ليس واردا فما جدوى تشكيل حزب سياسي غير ما يفعله كثيرون؛ أي تحقيق حضور شكلي من خلال البيانات والتصريحات وحصول الأمين العام على امتياز أن يكون من بين من يتم دعوتهم لحفل عيد الاستقلال أو إفطار رمضان في الديوان.
مع قناعتي بأن الواقع الحالي سيستمر لوقت غير محدد بالنسبة لدور الأحزاب السياسي فإنني سأتحدث لصالح وجود حزب من هذا النوع على الأقل لسد الفراغ السياسي في هذه المساحة المهمة ولتمثيل الفكر الذي أنحاز له وأعتقد أنه الأفضل وأقصد فكر الديمقراطية الاجتماعية، والتوجه الموالي لفكرة الدولة المدنية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية أو الخط الذي تمثله الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في العالم، وهي تتناوب على الحكم في عدد كبير من بلدان العالم.
لا أعتقد أن مشروع هذا الحزب مهما جمع تحت رايته من عدد بما في ذلك اندماج عدد من الأحزاب القائمة فيه سيحقق الآن الاختراق المنشود، لكن ثمة مهمات مقدسة أخرى يمكن أن يتولاها في هذه المرحلة مثل تقديم الأفكار والمقترحات وبناء لوبيات ضاغطة من أجل الإصلاح في قطاعات مختلفة ومواجهة الفساد وتكريس دولة القانون والمؤسسات. ويمكن أن يعمل من خلال منظمات المجتمع المدني وهيئات قطاعية وموقعية في المركز والمحافظات لبرامجه الإصلاحية ويمكن أن يخوض معارك ثقافية جريئة في مواجهة التخلف والتطرف وشد الناس إلى الوراء.