علي السنيد يكتب: فصول المأساة في ذيبان وما حولها
ذيبان ليست فائضا بشريا في الأردن، أو كما مهملا من الناس يتواجدون على قارعة الحياة، وإنما هم أردنيون معتقون في الوطنية يمضون أعمارهم في سلسلة معاناة مستمرة، وتجتاحهم شكوى مرة تعتمل في القلوب الطيبة حيث تقفل عنها الآذان الرسمية، وهي والقرى من حولها مفتوحة على خيارات الاحتقان وستشكل قضيتها عنوانا رئيسيا من عناوين التغيير على مستوى الوطن إذا كان هنالك من جدية في دراسة أسباب التحولات الجذرية في هذه المناطق فيما يخص مفاهيم الولاء والانتماء. ذلك أن أجيالا جديدة فيها لم تعد قادرة على الصمت، والوقوف على حافة الجرح الوطني، وهي تنشد فرصا أفضل في الحياة، وقد انتهت حالة انتظار الوعود التي صرفت فيها الأعمار دون جدوى، واخذ الشباب على عاتقهم رفع الصوت لعل مسؤولا غيورا يصغي لهذه المطالبات العادلة، ويسارع إلى منع اتساع رقعة المعاناة، والغضب، ودخول أطراف جديدة فيها.
ان ذيبان مستودع الفقر والمعاناة في المملكة ففي قرية مليح شارع دموي ما يزال يقتل الناس ويقصف أعمار الأطفال، وهو يخترق القرية بسرعات جنونية دون وجود رصيف، أو إشارات ضوئية، أو حواف عالية للطريق تقي المارة، وهو ما يفتأ يخلف في كل عام ضحايا جددا نظرا لكونه يجمع المشاة والسيارات المنطلقة بسرعات جنونية على صعيد واحد، مما يجعله صائدا ماهرا للضحايا، وهو يمر من القرية الوادعة التي يشقها إلى نصفين، وينذر بكوارث متفاقمة، نظرا لوقوع عدة مدارس على جانبيه أيضا.
وأهل مليح الذين زرعوا الصبر، وجف بعد أن حرموا من فرص استثمار إنتاجه الغزير في صناعات غذائية، وعصائر تبقي هذه الزراعة مدرة للدخل على أهالي القرية. يعانون جفاف المواسم الزراعية، واندثار القطاع الزراعي، وقد زادت المعاناة على السكان في لب والمريجة وجبل بني حميدة وهم الذين يقع على كواهلهم مسؤولية توفير فرص عمل لشبابهم المحبط العاطل عن العمل، والمحروم من تشكيل بيوت جديدة لتكتمل دورة الحياة، وكذلك فقد استنفد الأهالي بيع الأراضي لغاية الصرف على تدريس طلاب الجامعات في ظل توقف التنمية، وخلو المنطقة من وجود هياكل اقتصادية منتجة، واستثمارات مدرة للدخل تفيد في تطوير حياة سكان القرى المطلة على الألم وجرح الشعور الوطني. وإنسانها البسيط يعيش على الرواتب المتدنية التي يتقاضاها من الدولة.
وفي الوالا -المنطقة الزراعية الغناء في الماضي- فما تزال الزراعات المروية تعاني من جفاف السيل، وشح المياه على خلفية سحبها إلى عمان لغايات الشرب، وحرمان المزارعين من استغلال مياه السدود المقامة في المنطقة في إدخال مزيد من الأراضي القابلة للزراعة إلى خانة الأراضي المروية، وما تزال الكهرباء لم تصل إلى مسافة طويلة من سيل الوالا ومصب الهيدان، والتي كان سيساهم وصولها في تخفيف كلف عملية الري باستخدام المواتير التي تدار بواسطة الكهرباء بدلا من الديزل الذي ارتفعت أسعاره.
وذيبان المركز محرومة من استغلال معالمها الأثرية، والتاريخية في توفير دخل سياحي لها وتراها مهملة وتستخدم في رعي الأغنام، وهي التي استخرج من آثارها حجر الملك ميشع، وتتوفر فيها إمكانيات سياحية كبيرة فيما لو وجد الاهتمام الكافي من قبل وزارة السياحة.
وأبناؤها العاطلون عن العمل من الجامعيين بالمئات وما يزالون يهدرون السنوات في انتظار فرص نادرة في التعيين، أو الانخراط في أعمال محلية وذلك في ظل غياب مشاريع التنمية، والخطط التنموية القادرة على تطوير وتحديث اللواء.
وفي برزا يتراجع مستوى الخدمات وخاصة الطرق المتواضعة والتي جزء كبير منها ترابي إلى درجة أن الأعشاب تكون قادرة على النمو في أحشاء الاسفلت، وعلى كتف برزا هنالك حي العمور الذي يفتقد إلى الإضاءة الكهربائية منذ وصول التيار الكهربائي إلى ذيبان، وذلك لعدم توفر الأعمدة الكهربائية القادرة على تغطية هذا الحي الذي يقطنه العشرات من الأردنيين ممن لا يزالون يستخدمون لمبات الكاز القديمة التي طواها الزمن للإنارة ليلا.
وتجثم على كتف برزا بقايا قرية حجرية قديمة كانت قادرة على تنشيط الحركة السياحية فيها لو وجدت الاهتمام الكافي لإدخالها على خريطة الأماكن السياحية، ولما كانت تحولت إلى مجمع للقوارض، والأفاعي.وهنالك على أطراف ذيبان تترامى قرية أم شجيرة الشرقية التي ما تفتأ مقطوعة عن الماء الذي يصل عبر مواسير سلطة المياه منذ 14 سنة مما اضطر الأهالي للحصول على هذه المادة الضرورية للحياة من خلال الصهاريج والتنكات التي أضافت على فاتورة الأسر الفقيرة تكلفة شهرية مستمرة، ومسجدها الوحيد يظل بلا ماء حتى أن التيمم ربما يصبح جائزا شرعا للصلاة فيه.
أما المثلوثة ذات الأراضي الحمراء التي تطل على الموجب، فهي محرومة من استغلال مياه السد في الزراعات المروية، وتفتقد فرص النماء يضاف إلى ذلك طرقها الترابية البائسة.
وعموريا قرية مقطوعة عن العالم حيث لا يوجد طريق يوصلها مع جغرافية الأردن، ويسمح للأهالي الذين هجروها باستغلال أراضيها الزراعية، وإيصال المنتوج الزراعي إلى أماكن سكناهم سوى باستخدام البهائم.
وهو غيض من فيض حيث فرص التنمية تظل متوقفة، وغائبة عن سلسلة هذه القرى التي تضم الإنسان المجد الصابر، والذي فقد المهن التقليدية التي كان يمكن استمرارها لو روعيت أحوال المزارعين الصعبة، وتم شطب ديوان الإقراض الزراعي، وجرى وضع تسهيلات حقيقية في الحصول على البذار بأسعار مناسبة، وتسويق المنتجات بما يضمن استمرار المزارع في أرضه. وقد غدت قطعان الأغنام أيضا في حالة تناقض نظرا لارتفاع أسعار الأعلاف، وجفاف المواسم الزراعية، وها هي تترك خلفها أسرا تستجدي العون من صناديق التنمية الاجتماعية.
ويظل آلاف من الخريجين الجامعيين في قرى بني حميدة يجوبون المملكة بحثا عن الواسطات للحصول على فرص التعيين كي يتم إدراجهم على قائمة الحياة.
وبالكاد تجد في مناطق بني حميدة أثرا رسميا للدولة اللهم إلا وجود المخافر وبعض مقار الحكام الإداريين وعددا من الدوائر الرسمية، وغير ذلك فهي قرى خارج التغطية، وتعاني الأمرين فضلا عن تدني مستوى البنية الصحية والتعليمية، وشبكات الطرق والمياه. وكل قرية تحمل في قلبها عتب ابيض على الأردن حيث يترامى عالم مريع من الفقر والحرمان.