حمار إصلاحي..!!
يسير الحمار - قليل الاستعمال والشهرة اليوم - في خط مستقيم، لا يلوي إلى هنا أو هناك، قد يوارب في مسيره عن بعض العثرات أمامه، لكنه لا يعمد قط إلى إزالتها، ربما كان يرغب بذلك، وربما كان يستهجن وجودها على الطريق، وربما كان يلعن في نفسه أولئك الذين وضعوها في طريقه، لكنه أبداً غير مستعد لبذل أي جهد لإزالتها وإزاحتها عن الطريق.. المهم لديه هو أن يسير بسلام دون أن يتعثر ويسقط أو تنكسر قدمه أو ساقه فيفقد جزءاً من قواه وكفاءته وبالتالي قيمته..!!
وعندما كان الحمار أكثر شهرة، كنا نشاهده يصعد الجبال والأدراج الصعبة، وهو ينوء بأحمال ثقيلة، دون أن يشكوى أو يتذمر، لكن كثيراً ما كان يصيبه الضجر والعناد، فيتوقف عن العمل والإنتاج ليس نصباً وإنما عنداً وضجراً ربما بسبب البشر وإصرارهم وإلحاحهم واستغلالهم وإهاناتهم ليس إلاّ..!! ويقال بأن العثمانيين الأتراك عندما رسموا الطريق الترابية ما بين مدينة السلط ومثلث العارضة في الأغوار استهدوا بالحمار بعد أن حمّلوه حملاً ثقيلاً، فتركوه يمشي وساروا وراءه ليرسموا الطريق وفق خطاه، باعتباره كان يسلك الطريق الأسهل ويبتعد عن الصخور الصعبة والعثرات..
وعلى الرغم من ضعف الدور التنموي والإصلاحي للحمار في مجتمعات اليوم بسبب مخترعات بشرية حديثة تزايدت معها أمراض البشر ومعاناتهم، ودفعت باتجاه بطالة الحمير، إلاّ أنه، أي الحمار، لا يزال مهماً على صعيد التعليم والاستفادة من خبراته العملية، على اعتبار أنه مدرسة في الصبر والتحمّل والعناد وسلوك الطريق الأسلم، وإلى اليوم لا يزال البعض القليل منا لا يستغني عن الحمار أبداً..!!
قدرة الحمار على الإصلاح قليلة جداً، على الرغم من إرادته العميقة للقيام بذلك، لكنه يقف مشلولاً أمام النهوض بأعباء الإصلاح، لأسباب كثيرة أهمها أن البشر من أصحاب الحاجات والأجندات لا يمكّنونه من ذلك أبداً، فيحصر اهتمامه في البحث عن مخارج، حتى يقع في العثرات، ومع ذلك تجده يشعر بألم العجز والقصور أكثر من ألم التعب والعبور، وكثيراً ما تشاهده دامعاً في وقفة تأمل عاجزاً فيها عن إصلاح الطريق وإزالة عثراتها..!! ومع كل ذلك فإنه يحقق نصراً على بعض البشر في واحدة ربما تكون غير ملحوظة، وهي أنهم قادرون على الإصلاح لكنهم لا يريدونه.. فهو، أي الحمار يملك الفكرة ولكنه لا يملك القدرة، وهم أي بعض البشر، يملكون القدرة ولكنهم فاقدو الرغبة والفكرة.. والنتيجة فساد على الطُرُق بفعل البشر وعدم تمكين الحمير، وفساد في المجتمعات والدول ليبدأ التثوير..!! فمنْ يا سادتي المستفيد ومنْ أولى بالإصلاح البشر أم الحمير., مع فارق المقارنة والتبرير، ومع الاحترام والتقدير..!!