ما شهدته الطفيلة من احداث مؤسفة رافقت زيارة جلالة الملك للمحافظة امس تظهر مدى خطورة انفلات الاوضاع في الشارع اذا لم تبادر الدولة الى اتخاذ خطوات حاسمة وسريعة لاحتواء الاحتقان وتنفيذ اصلاحات ملموسة وعميقة.
الطفيلة ليست حالة استثنائية, هناك ازمة ثقة جذورها ضاربة تستدعي مقاربة للاصلاح اوسع واعمق من تلك التي تتبناها الحكومة, وتسير بخطى اسرع مئة مرة من السرعة الحالية.
لا يشك احد في ولاء اهل الطفيلة, ومن اطلع على بيان شباب المحافظة الذين منعوا من عرضه امام الملك سيدرك مدى الولاء والانتماء عندهم, وبأنهم موالون وحريصون على وطنهم بما يفوق ادعاء المتزلفين والمنافقين في مواقع ومناصب رفيعة.
المشكلة في الطفيلة قائمة منذ اسابيع حيث تتسع دائرة الاحتجاج ويتصاعد الغضب من سوء الحال, لم يلتفت المسؤولون الى الامر واكتفوا بالمعالجة الامنية التي زادت الامور سوءا.
تماما مثل ما حصل في قضية تسفير السجين خالد شاهين الى الخارج,فقد تركت الحكومة القضية تتدحرج وتكبر في الشارع من دون قرارات حاسمة, ماذا كانت النتيجة?
ببساطة فقد الناس الثقة باي اجراء حتى لو كان بمستوى استقالة وزيرين, وترسخت لديهم القناعة بأن كل ما يشاع عن الجهة التي تقف وراء خروجه صحيح.
اننا ازاء حالة فريدة من الارتباك وغياب القدرة على ادارة الازمات والافتقار الى العقل السياسي في وقت نحن في امس الحاجة فيه الى الحلول السياسية.
لا تنقصنا التصورات والحلول لعلاج ازماتنا, لكننا لم نعد نتقن فن الادارة والعمل على تنفيذ ما نتفق عليه, امس الاول اعلن الملك ما يمكن وصفه بخارطة طريق للاصلاح الشامل لا يختلف عليها اثنان في الاردن: آلية تقود الى برلمان بتمثيل حزبي, وحكومات على اساس الاغلبية النيابية, اعلام يحمل رسالة الحرية والاصلاح, محاربة الفساد, توافق وطني وعدم احتكار اي مجموعة للمشهد الاصلاحي, وتوجيه الحكومة لاجراء الانتخابات النيابية القادمة على اساس القوانين السياسية التوافقية, في اشارة ضمنية الى احتمال اجراء انتخابات مبكرة. وقبل ذلك كله تأكيد ان الاصلاحات ستنطلق من توصيات لجنة الحوار الوطني.
وسيلاحظ المرء بسهولة ان الرؤية الملكية هذه تتطابق تماما مع معظم مطالب الشارع, فما المشكلة اذا?
المشكلة ان خارطة الطريق للاصلاح تعوزها ادوات تنفيذية تحظى بثقة الرأي العام, بصراحة, الناس لا يثقون بالطبقة السياسية الحاكمة ولسان حالهم يسأل هل يعقل ان من كانوا سببا في مصائبنا يكون بأيديهم العلاج?
والمشكلة الثانية ان اي خطة تحتاج الى جدول زمني للتنفيذ, لقد فشلنا من قبل لان الحكومات لم تلتزم امام الشعب ببرامج زمنية تخضع بموجبها للمساءلة والمحاسبة.
اعتقد ان المزاج الشعبي سيتحسن اذا ما اعلنت الدولة عن خطوات محددة فيما يتعلق باقرار القوانين واجراء الانتخابات, وسَرّعت الخطى في قضايا الفساد.
باختصار على الدولة ان تتصرف وكأن ثورة قامت وانتصرت للتو في الاردن وتقوم بتنفيذ كل التغييرات التي قامت بها الثورات في دول مثل مصر وتونس, الفرق انها ثورة سلمية يقودها الملك عبدالله الثاني, لان ذلك بالضبط ما يريده الشعب.