جسر الشغور.. نقطة تحول
جسر الشغور
نقطة تحول في الإستراتيجية الأمنية السورية
أعلنت الحكومة السورية اليوم انتهاء (معركتها) في جسر الشغور حيث أفادت المصادر الإعلامية الرسمية بانتصار مهيب للقوات على (التنظيمات) المسلحة حيث قامت بقتل الكثير منهم وإلقاء القبض على بعضهم ومازالت تطارد فلولهم بين الجبال، وعرضت بعض اعترافات أعضاء هذه التنظيمات ووعدت بإعطاء مزيدا من التفاصيل لاحقا عند انتهاء التحقيقات مع هؤلاء (الإرهابيين)، ولم تغفل وسائل الأعلام السورية ومنذ أسبوع تقريبا بتصوير الارتال العسكرية والطائرات العمودية وقوات الصاعقة التي كانت تحاصر و تتهيأ منذ أسبوع لاقتحام هذه المنطقة..
وحتى نفهم هذه (المعركة) لا بد من اخذ عين الاعتبار بالحالة الإجرائية المتوقعة لقادة النظام وخياراتهم المحدودة تحت بند (صراع البقاء في السلطة) وبسبب وقوع كما هائلا من الضغوطات الداخلية التي تزداد نتيجة التوسع الأفقي للاحتجاجات التي امتدت لمعظم أنحاء سوريا ورفعت سقف مطالبها عموديا لتنتهي بالمطالبة بإسقاط النظام، بالإضافة الى الضغوطات الخارجية التي يتعرض لها النظام والتي تنقسم بين ضغوط عالمية على النظام وهي متباينة اقلها الإدانة وضغوط من حلفاء النظام على النظام لإنهاء الملف بأي وسيلة حفظا للحالة والشخصية (المقاومية) المكتسبة بفعل البروبوغاندا حيث أن استمرار الانتفاضة الشعبية سيفضح أخلاقيات المنظومة المحتوية والمدافعة عن للنظام السوري .
ولتصور مصير (الحرب).. علينا أن نعيد تسلسل الأحداث العسكرية والأمنية التي تمت على الأرض وكيف وصلت الأمور لهذه النتيجة التي أعلنها النظام السوري بقوة وهي (هناك معركة حقيقية ولن يتوانى الجيش عن خوضها وإكمالها).
لمن يراقب الأحداث عن قرب يدرك أن هناك نقطة تحول مفصلية طرأت على إستراتيجية النظام في الدفاع عن هيكله حيث شكلت مظاهرة مدينة حماة يوم (جمعة أطفال الحرية) قبل عشرة أيام صدمة كبيرة للنظام الذي شعر برهبة شهداء (حماة) السابقين واللاحقين، حيث انقضت جمعة (أطفال الحرية) بمحصلة 67 شهيدا من حماة لوحدها وببروز إشكالية أخلاقية تضاف الى مشاكل النظام الأخرى وهي ثبوت نهج وسلوك متأصل لدى القوى الأمنية الخاصة للنظام لا يمنعها من تعذيب وقتل الأطفال واغتصاب النساء.
وجد النظام نفسه في زاوية صعبة نقلته من وضع الرمز المقدس الى المهدد بفقدان حتى موطئ قدميه وكان لا بد له من البحث عن الوسائل الكفيلة بتحويل مجريات الضغوط باتجاه آخر مما يعني الاتجاه الى رد فعل مغاير لردود الأفعال السابقة وبشكل يغير تسمية طرفي المعادلة من (شعب مقاوم لنظام استبدادي) الى (نظام مستهدف مقاوم لإرهاب)، إذا كان عليه اخذ المبادرة بالهجوم وتغير مسميات المعادلة وبالتالي لا بد من صنع (إرهابي) ليحل في الطرف الآخر من المعادلة..
بدأت أول مراحل هذا التحول المفصلي لقلب المعادلة في حادثة جسر الشغور بشكل فعلي ومخطط له حيث بدأت تفاصيل (معركة) جسر الشغور يوم الأحد الموافق 6 حزيران أي قبل ثمانية أيام من إعلان السيطرة على البلدة من قبل النظام السوري والذي بقي محاصر البلدة لهذه المدة تحت تغطية إعلامية واسعة من قبل النظام تم الإعلان فيها عن مقتل مائة وعشرين جنديا وعنصر امن من قبل (الإرهابيين) حيث تم تدعيم الخبر بالصور والمقابلات، ثم ليتبع الخبر اكتشاف مقابر جماعية ونداءات أهالي جسر الشغور ورسالة وزير الخارجية وليد المعلم للام المتحدة، ثم الإعلان عن محاصرة (التنظيمات) لتنتهي بالسيطرة والاعتقال وهرب البعض من أفراد هذه (التنظيمات).
ما يدفعنا للتشكيك بالسيناريو السابق والمعلن بالرواية الرسمية عدة نقاط قد تنسف كل المعادلة مع تأكيد وجود الضحايا والمقابر الجماعية والحصار واستخدام الدبابات والطائرات العمودية وخلافه من تجهيزات المعارك، وهذه النقاط تتمثل بالتالي:
أولا- يبلغ طول بلدة جسر الشغور من أطول ضلع 1.5 كيلومتر وبعض 1.3 كيلومتر من اعرض مساحة وهي تقع على سفح جبل وبالتالي لا تتعدى مساحتها كيلومترين مربع بمحيط اجمالي ستة كيلومترات، ولها طريق رئيسي واحد حيث تعتبر أدلب اقرب مدينة عليها، وهي محاطة بعدة قرى تبعد اقرب قرية عنها ثلاثة كم وهي قرية الطيبات وتفصل بينهما مزارع مكشوفة (مزارع قمح)..، ذلك يضعنا أمام تساؤل عن معجزة هذه البلدة التي احتاجت ثمانية أيام حصار(لتحريرها) حيث تم استخدام جميع أنواع الأسلحة الثقيلة والطيارات العمودية وبكثافة منقطعة النظير وكأنها باستعراض عسكري أمام المصورين، مع العلم أن مدينة حماة لم تحتاج لأكثر من أربعة ساعات لحرقها وقلعها من جذورها قبل ثلاثين عاما ومن نفس النظام.
ثانيا- خلال هذه الأيام الثمانية تم الإعلان عن انشقاقات من بعض أفراد الجيش الذين قاموا بتبني عملية اعدم الضحايا المائة والعشرين وبسهولة مطلقة وعلى اعتبار حماية المدنيين وهؤلاء (المنشقين) الخارقين الذين استطاعوا التغلب على هذا العدد الكبير من القوى الأمنية لم نسمع منهم خلال ثمانية أيام من حصار (مع انسياب للهاربين من البلدة) عن أية عملية هروب أو محاولة فك الحصار أو حتى إطلاق نار باتجاه القوات المحاصرة مما يجعلنا ننتظر منهم تصريح على التلفزيون السوري بأنهم قادة تنظيم إرهابي تم القبض عليهم وقام بتنظيمهم ربما سعد الحريري أو أي شخصية لا تروق لسوريا الآن.
ثالثا- أن قرب بلدة جسر الشغور عن الحدود التركية واللبنانية تعطي منطقا نوعا ما لقبول فكرة تهريب الأسلحة لها وتسلل (الإرهابيين) عليها، وحيث بدأت العملية الأمنية في المدينة بالقصف المكثف ثم فتح طرق لهروب السكان المحليين فأن من المتوقع هو خلو البلدة الآن من شهود العيان من الشعب لتبقى أحجية جسر الشغور مدفونة مع الضحايا المحتملين بعد انتهاء دورهم في المسرحية وهؤلاء الضحايا ربما لم يكونوا يعلموا بالدور المرسوم لهم وتم تغريرهم لانتهاج النهج المسلح المقاوم للنظام بعد الانشقاق..
رابعا- لم يتم إغلاق ملف (التنظيمات) حسب الرواية الرسمية حيث لم تتمكن هذه القوة الضاربة والمحاصرة للبلدة من منع (هروبهم) من سفح الجبل وهم المحاصرين بأكثر من مائتي دبابة واليه عسكرية حسب الرواية الرسمية (بما يعني كل عشرين متر دبابة على محيط ستة كيلومترات)..!
خامسا- حسب المنطق البسيط تقوم التنظيمات الإرهابية بمحاولة العمل وفق أرضية كبيرة مدينة رئيسية مثلا وتنوع ديموغرافي ودون تجانس عائلي أو اجتماعي أو ديني أو اثني وهذه الأرضية منفية تماما في جسر الشغور المتجانسة على كل الأصعدة والروابط والقرابة .!
سادسا- كل البيانات والتصاريح الشعبية الواردة من أبناء البلدة نفت الروايات الرسمية في بداية (المعركة) قبل ثمانية أيام وروت قصصا عن تصفيات لإفراد من الجيش والأمن رفضوا مطاردة الشعب فتم تصفيتهم، وبعد ذلك تم تفريغ البلدة بواسطة الترهيب ليتم تهجير أكثر من ستة آلاف نسمة من البلدة الى تركيا لمنعهم من مشاهدة البقية.
كل ذلك ربما يدفعنا للتساؤل وربما انتظار المرحلة الثانية من محاولة قلب المعادلة وتغيير المسميات وربما لتصل الجرأة في النظام السوري للمطالبة من دول العالم لمساعدته عسكريا للتخلص من الشعب (التنظيمات حسب تعريفه).
جرير خلف