الورقة النقاشية السابعة ..استثمار وإصلاح
لقد شكلت الورقة النقاشية السابعة لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله الاطار العام لإصلاح النظام التعليمي فقد حددت الرؤية نقاط الضعف ونقاط القوة ومدى توفر الفرص المستقبلية التي يجب استثمارها للنهوض بالتعليم في المملكة.
إن المتأمل جيدا في ما تضمنته الورقة من رؤى وأفكار يلمس أولاً الدعم الملكي المتواصل لقطاع التعليم الذي يشكل فرصة مستمرة لأصحاب القرار والعاملين في هذا المجال باستثمار هذا الدعم باعتماد خطط وبرامج تطبيقية واقعية تلبي الحاجات المجتمعية من جانب وتتنافس مع ماهو موجود في العالم من جانب آخر لاثبات الذات والوصول إلى العالمية من خلال البناء على التجربة الأردنية المميزة في المجال التربوي.
لقد استخدم جلالته كلمات مفتاحية هامة _ الاستثمار – المستقبل – مجتمع المعرفة – الإصلاح – التغيير ؛ وكلها ذات دلالات مستقبلية مهمة ، وهنا إشارة هامة لتحديد الطريق الواجب رسمه للوصل إلى المستقبل المنشود ، ولا يمكن ذلك إلا بالتوافق على مجموعة من المعايير التربوية الحازمة والمرتبطة بمؤشرات أداء واضحة تمكننا من السير على درب النجاح مقيمين كل خطوة من خلال مؤشراتها الموضوعة مسبقا.
تعد حركة المعايير التربوية من أهم الأحداث التي شهدها تاريخ إصلاح التعليم في دول عدة في النصف الثاني من القرن العشرين؛ إذ كانت دافعا لإصلاح واقع المدرسة والمعلم والمناهج والتعليم والإدارة المدرسية وتبرز أهمية تطبيق المعايير في التعليم من كونها مدخلا للإصلاح والتطوير في مجال العمل الإداري والتعليمي بالمؤسسات التربوية ، وأن الحاجة إلى تطبيقها في التعليم بمختلف مراحله ومستوياته لم يكن لمجرد الرغبة في التطوير والحصول على الاعتماد الأكاديمي فقط ، وإنما استجابة لعوامل مختلفة من أهمها :التغيير السريع الذي يشهده العالم في مختلف مجالات الحياة الذي كان له اثر كبير على السياسة التعليمية التي تتبناها الدول ، وخاصة ونحن نعيش في عصر لا يهدأ ولا يستقر على حال فهو عصر متغير في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والصحية والتكنولوجية.
إن متطلبات سوق العمل حاليا ومستقبلا، بما فيها من تقدم علمي وتكنولوجي فائق النوعية ، وأثر المعطيات العلمية والتكنولوجية والتربوية في التعليم والتعلم ، تتطلب من النظم التربوية إعادة النظر في أدوار كوادرها وفي نوعية الخريجين للتعاطي مع هذه التطورات ويتمثل ذلك بمتعلمين مؤهلين أكاديمياً أكفاء يمتلكون مهارات نوعية في شتى المجالات، بحيث يكونون قادرين على المنافسة في الاختبارات العالمية ، وفي السوق العالمية، وعليه يمكن أن نجمل مبررات توظيف نموذج المعايير في التربية والتعليم على النحو الآتي:
1- متطلبات مجتمعات المعرفة
إن التحولات والتغيرات الهائلة التي يشهدها العالم اليوم، أدت إلى ما يسمى بمجتمع المعرفة الذي يتطلب مستويات عليا من الأداء والمهارة، والتحول من ثقافة الحد الأدنى إلى ثقافة الجودة والاتقان، ومن ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الإنتاج. وضرورة العمل على نشر ثقافة الامتياز ومحفزات التعلم مدى الحياة. ويترتب على ذلك كله تغيرات في وظيفة التربية والتعليم وأدوار كوادرها لتتمكن من إعداد الناشئة للانخراط في عالم اليوم والولوج في مجتمعات المعرفة.
لقد عملت الدول التي تسعى لأن تكون مجتمعًا للمعرفة على إعداد مجموعة من المعايير والمؤشرات لكافة عناصر العملية التعليمية لضبطها وتحقيق المستويات المطلوبة بما يتوافق مع متطلبات مجتمعات المعرفة وبالتالي إمكانية المقارنة مع مثيلاتها من الدول و الحكم على مدى استعدادها لتكون مجتمعًا للمعرفة .
2- انتشار مفاهيم الجودة الشاملة
يعتبر أسلوب إدارة الجودة الشاملة إحدى الركائز الأساسية لنموذج الإدارة الجديد، الذي تولد لمسايرة المتغيرات الدولية والمحلية ومحاولة التكيف معها، فأصبح المجتمع العالمي ينظر إلى الجودة الشاملة والإصلاح التربوي باعتبارهما وجهين لعملية واحدة، حيث يرى البعض أن الجودة التربوية هي عبارة عن جملة من المعايير والخصائص التي ينبغي أن تتوافر في جميع عناصر العملية التعليمية سواء منها ما يتعلق بالمدخلات أو العمليات أم المخرجات التي تلبي حاجات المجتمع ومتطلباته، ورغبات المتعلمين وحاجاتهم، وتتحقق من خلال الاستخدام الفعال لجميع العناصر البشرية والمادية.
وعند تطبيق إدارة الجودة الشاملة في القطاع التربوي يجب أن ينصب على المدخلات والعمليات من خلال التركيز على تحسين أداء المعلمين وتحسين أداء الطلاب وتطوير البرامج والخطط الدراسية وتحسين عمليات التقويم التربوي مما يكفل لنا جودة مخرجات هذا النظام، إذ إن اعتماد إدارة الجودة الشاملة هو وحده الكفيل لولوج القرن الحادي والعشرين الذي لا مكان فيه إلاّ للأمم التي تحرص على الإنجاز والتميز والجدارة والجودة والإنتاج.
3- تطبيق مبدأ المحاسبية
إن ازدياد الإنفاق على النظام التربوي في الآونة الأخيرة من جهة، والمطالبات المجتمعية المتزايدة بضرورة تجويد مخرجاته وتحسين أدائه من جهة أخرى، أدى إلى تبني الأنظمة التربوية في مختلف دول العالم لنظام المساءلة والمحاسبية. حيث تشير المحاسبية التعليمية بصفة عامة إلى الالتزام بالإدارة الجيدة، والإشراف الجيد، والأداء الأمثل، وتؤكد على المستويات التعليمية للطلاب وتقديم الدليل على تعلمهم بشكل جيد، كما تساعد المحاسبية على تعديل طرق التدريس وتقديم أنشطة منظمة للمعلمين، وتركز على الأهداف. وتتضمن المحاسبية التعليمية قياس نتائج العملية التعليمية بطريقة مباشرة عن طريق استخدام معايير موضوعية في إطار نظام تعليمي يعتمد على تحقيق الأهداف ويهتم بالفاعلية أكثر من اهتمامه بالكفاية في التعليم، ويتجه نحو نتائج العملية التعليمية أكثر من توجهه نحو عناصر العملية أو مدخلاتها.
وبالتالي تسعى المحاسبية إلى تحديد الجهة المسؤولة عن السياسات والبرامج والممارسات التربوية ومدى نجاحها في القيام بمسؤولياتها وتحقيقها للنتائج المطلوب إنجازها ومعرفة جوانب التقصير إن وجدت ومن المسؤول عنها ومعالجتها، ومكافأة الأداء الفاعل للمؤسسة التعليمية.
4- التقويم التكويني المستمر
ومما لا شك فيه ، ودائما حسب الداعيين لهذا المدخل، فإن بناء وتطبيق المعايير التربوية يساعد كثيراً في تحسين مستوى التعليم من خلال قياس ما يتعلمه المتعلم وما يستطيع فعله . وهذا بخلاف ما كان سائداً ومازال في كثير من الأساليب ، وهو التركيز على المعلومات التي يحفظها المتعلم فقط ، وهي في غالب الأحيان مهارات بسيطة مجزأة لا رابط بينها ومعلومات متقطعة لا انسجام بينها . وحتى تحقق المعايير التحولات الإيجابية المرجوة في عملية التعليم والتعلم ، لا بد لها أن تقوم تقويماً تكوينياً مستمراً يأخذ في الحسبان المعرفة وتطبيقها ، و يتابع بالأساس مسيرة المتعلم بشكل مستمر ، لتحديد مناطق القوة والضعف لديه وسبل التعامل معها.
5- ظهور مفهوم الاعتماد الأكاديمي للمؤسسات التعليمية
الاعتماد الأكاديمي ضرورة تمليها تطورات الحياة ليس فقط داخل المؤسسات التربوية ولكن عبر المؤسسات المجتمعية، الاقتصادية منها والاجتماعية في المجتمع الكبير، وأعظم نقاط القوة التي يتميز بها الاعتماد هو كونه عملية إشرافية مشروعة في الأوساط الأكاديمية لضمان استمرار الجودة النوعية في البرامج التعليمية التي تقدمها الجامعات ومؤسسات التعليم لخدمة مجتمعاتها، وهذه العملية هي في واقع الأمر مرحلة طويلة جداً بحيث لا تنتهي عند تحقيق غاية أو هدف معين، بل هي مستمرة دون توقف، لأن هدفها المتجدد باستمرار هو إصدار الأحكام اللازمة التي تشهد بأن برامج المؤسسة التعليمية تفي بمعايير الاعتماد الأكاديمي من حيث المحافظة على المستوى العلمي الجيد والسير المنتظم لتحقيق التطور المسـتمر.
وفي الختام لتبقى كلمات جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين أمام أعيننا من أجل المستقبل المنشود :
" في كل يوم يمضي تمضي به فرصة لأبنائنا في تحقيق ما يستحقون فلا نضيعها عليه ".
لنعمل معاً من أجل ذلك...فنحن قادرون..
صالح " محمد أمين " العمري
salehsn@yahoo.com