بيوتنا قبل حكوماتنا

وأنا من عملت بعشرات جرائم القتل وبمثلها من الجثث المفقودة للتعرف على أصحابها وربما أكثر في جرائم هتك العرض أما الجرائم المتنوعة الأخرى فهي بالآلاف ومع كل هذا الإزدحام بذاكرتي من الجرائم فلم أعتاد للآن عليها فما زلت عند سماع تفاصيل جريمة أو متابعة لأحداثها ترتعد فرائضي وينقبض قلبي فلا يمكن بأي حال أن تعتاد على الجريمة وأن تصبح أمراً عاديا لأن لكل جريمة دوافع لإرتكابها وإنفعالات لا يمكن أن يحيط بها إلا من عاصرها وعمل بها وعاش تفاصيلها السوريالية والنفسية والرومانسية .

في كل صباح لا بد أن نصحوا على جريمة بشعة وبأسلوب جديد ودخيل على مجتمعنا يفقدنا متعة تناول القهوة الصباحية لتصبح أكثر مرارة ونحن نتابع تفاصيلها فتعكر مزاجنا وما يُشغل بالي وأنا المتابع لهذه الظاهرة أنها أصبحت تحدث داخل الأسرة وما بين الأصول والفروع لأمور تافهة لا ترقى أن ترتكب جريمة من أجلها فأصبحت بيوتنا قنابل موقوتة غابت عنها الرحمة والإنسانية والعلاقة الحميمية ما بين أفراد الأسرة الواحدة .

﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ من يقرأ هذه الآية يعتقد أن الوهن المقصود هنا ضعف البيت المحسوس المادي المصنوع من الخيوط التي تقوم ببناءه أنثى العنكبوت ولكن المقصود هو في الحقيقة الوهن المعنوي فلقد إكتشف العلماء مؤخراً أن بيت العنكبوت هو أبعد البيوت عن صفة البيت بما يلزمه من أمان وسكينة وطمأنينة , فأنثى العنكبوت تقتل الذكر بعد أن يقوم بعملية التلقيح وتأكله ثم يقوم الأبناء بعد الخروج من البيض بقتل وأكل بعضهم ثم أكل أمهم فدور الأب الذكر لا يتعدى فقط مرحله الإخصاب والتلقيح والمعاشرة الجنسية والقوامة تكون للأنثى من بناء البيت والعناية بالبيض وخلافه .

بيوتنا يجب أن ننتقدها ونراقبها قبل حكوماتنا ولا أعلم هل يوجد بيوت في مجتمعنا تشبه بيوت العنكبوت واهنة ضعيفة غير مترابطة تنقصها السكينة والترابط والمودة والرحمة ...؟ أقول نعم صحيح فإنك لودققت النظرالآن في معظم أسرنا لوجدت أن جميع أفراد العائلة الواحدة في وقتنا الحاضر منشغل في نفسه وبعيد عن الآخر ولا يعلم بهمومه ومشاكله مما جعل البعض يعيش بأسرة يحسبها المشاهد مترابطة وهي في الأصل مفككة من غير أن ندري فالأم مشغولة بنفسها وإن كانت تؤدي وظيفتها بأعمال المنزل ولكن نسيت دورها كمراقبة وملازمة لأبنائها ووجوب معرفة مشاكلهم وهمومهم وأخطار مراحل أعمارهم وتطوراتها وكذلك الحال بالنسبة الأب الذي إنشغل بأعباء الحياة وربما بعلاقاته الخاصة فأصبح دوره يقتصر فقط على التلقيح والمعاشرة الجنسية حاله كحال ذكر العنكبوت .