جهاد خطبة الجمعة

كتب رمزي الغزوي - كثيراً ما أتبادل المعلومات مع بعض الأصدقاء عن اسم خطيب الجمعة في المسجد الفلاني أو العلاني، لأننا باختصار شديد (نرى الإبل مائة ولا نجد راحلة)، أي أنك ربما تشهد 100 جمعة، ولا تعلق في ذهنك إلا خطبة واحدة أو خطبتان في أحسن الأحوال، والبقية تقضيها احتراقاً داخلياً، ونفثاً للغيظ قد يبطل صلاتك مع أية شهقة أو زفرة.

وحتى مع توحيد موضوعة الخطبة في مساجدنا، كتكتيك من وزارة الاوقاف للتغلب على فجاجات الخطباء وشطحاتهم وسطحيتهم. حتى مع هذا التوحيد لم يتغير الوضع كثيراً، وما زالت الحسبة (نرى الإبل مائة ولا نجد راحلة).

البعض منهم لا يعرفون من الخطبة سوى (مطمطات) البداية، وتشبيكاتها و(كلاشيهاتها) المكرورة، ولا يتقنون إلا الهروب من مواجهة موضوع الخطبة، إن كان لديهم موضوع، وذلك بالحث الزائد والمتتالي على الصلاة على الرسول، عليه أفضل الصلوات والتسليم. ثم (الأخذ من عمان والحط برمان)؛ فتصبح الخطبة (شوربة)، لا جسد ولا رأس، ولا أثر يعلق في نفس السامع، وبعدها يأتي الإمعان بالدعاء على الصليبيين المشركين ومن والاهم، والإبتهال إلى رب العالمين، أن يمحقهم بددا، ويجعل نساءهم سبايا للمسلمين.

عقب صلاة الجمعة الفائتة، التي كان موضوعها (الجهاد في الإسلام)، بعث صديقي لي نكتة عن خطيب شاهد تناعس المصلين فقال: خطبتنا اليوم عن قصة يوسف. هل تعرفونها؟ فوافقوه بهزهزة الرؤوس. فقال قبل أن يقيم الصلاة: وخطبتنا القادمة عن مبطلات الوضوء؛ وإذا عارفينها لا (تيجوش).

النكتة تختصر خواء بعض الخطباء، وكذلك (عجقة) الموضوع الهام (الجهاد)، الذي يحتاج إلى إعادة نظر في فهمه وتطبيقه وأسسه، سيما بعدما أن اختلط علينا الداعش بالفاحش، وبعدما تغيرت المعطيات والظروف، وجرى في نهر الحياة ماء كثير.

فلم يعد الجهاد يتمثل بالحمل الإعتباطي للسيف، والخروج لحصد الرقاب. بل ثمة معطيات استجدت وتبدلت، ثم إن هذا أمراً لا يناقش على المنابر، بل له قنواته المعروفة، ولهذا أثار موضوع الجهاد الكثير من اللغط وسوء الفهم.

نريد من خطبائنا أن يحترموا عقولنا قبل كل شيء، وأن يحضّروا جيدا لخطبتهم، على مدار أسبوع سابق، وأن يسعوا إلى تثقيف النفس، وأن يسالوا أصحاب الإختصاص، إذا لزم الأمر.

وحتى ذلك الوقت البعيد، سيبقى على كثير من المصلين، أن يمارسوا (جهاد ضبط النفس)؛ لتحمل خطباء الجمعة وبلاويهم، أو أن يتهافتوا لحجز مكان قرب حائط في المسجد، كي يؤمنوا (كسر الناعوسة)، في ظل ملل يطول، لا تنهيه إلا إقامة الصلاة. الله أكبر الله أكبر.