إلى روح الأم التي قتلها فلذة كبدها
هذه رسالة قهر وأسف وكلمات رثاء وألم صادرة من كل جوارحي ومن أعماق قلب صدم وصعق من خبر غريب ودخيل على بلدي الأردن الغالي، خبر ليس نمطي ولا عادي إنه خبر مقتل أم بريئة خافت على ولدها من التهور فحاولت منعه بكل السبل التي تستطيع فكانت النتيجة أن صدمها هذا الولد غفر الله له بالسيارة لتلاقي حتفها على يد فلذة كبدها، الذي لن أصفه بأي وصف سيء على الرغم من اقترافه لهذه الجريمة النكراء فسأكتفي بتأنيب الضمير والروح والجسد الذي سيعانيه بكل لحظة وحين، حتى يتمنى الموت ليرتاح من هذا العذاب الرهيب سواء أكان قاصدا لهذا الجرم أو جاء نتيجة تهوره من دون قصد ولكن النتيجة كانت واحدة هي فراق الأم الحنون والحضن الدافئ والأمل الذي لا ينضب وشمس الحنان التي لا تغيب وقمر الليالي الذي لا يفل أبدا، واليد التي لا تمل العطاء بكل الظروف والأحوال والقلب الذي لا يعرف الحقد أبدا، وليته إلتزم حديث رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه عندما حذرنا من الغضب، ففي الحديث الذي يبين أنه عندما جاء رجلا وقال للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) أوصني قال: لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب، رواه البخاري، وعقل ما قاله أحد الأئمة رحمهم الله بأن الغضب مفتاح كل شر.
رحمك الله أيتها الأم التي قتلت من غير ذنب، غير أنك كنت خائفة على ولدك حتى من نفسه يا الله ما هذا الحنان وأي نوعية من البشر نحن حتى نتحمل مثل هذا الخبر، فالمفروض والطبيعي إن غابت الأم عن عيوننا للحظات نحّن إليها ونسارع للتواصل معها وطلب الرضا والدعاء؛ لأنه وبدون أدنى شك يخرج من قلب حنون صادق ومن فم تعود أن يلهج به للمولى جل وعلا دون أن نطلبه أصلا، بل إن الفطرة تقول أن فراق الأم هو الأصعب على المرء السوي على الإطلاق.
عذرا عن العجر فالموهبة لن تكفي لأنها بسيطة والكلمات لن تتعملق حتى تصل إلى درجة تستطيع أن تصور هذه الفعلة أو هذه الزلة حتى، ولهذا الجاني أقول والذي رفع السموات بلا عمد لو سالت دموعك حتى جرت بها الأرض لما غسلت ما ألحقته بنفسك من هم وحزن، وعزاؤنا الوحيد لك بإن الله الواحد الأحد غفور رحيم، ولكن المصاب بحقك ومن جهتك جلل جلل، لن أذكرك بما فعلته أمك أو أي أم ولن أكرر وأسرد لك كلمات جافة دون روح، ولكن سأحول حديثي لدعاء للأم رحمها الله لأختصر على نفسي مرارة عتابك مع أنني لا أعرفك ولكن قلبي لم يستطع تجاوز الخبر دون الكتابة عنه فقررت أن أكتب عنك وعن الوالدة رحمها الله وجعل الجنة دارها وقرارها، ولأنني أسير على نهج ثابت من القيم ولله الحمد لن أؤذيك لا لفظيا ولا معنويا حتى ولكن سأقول لك أعانك الله على هذه المصيبة التي جلبتها وجنيتها لنفسك وعليها بقصد أو بتهور، اللهم إجعلنا من الذين يفعلون ما يقولون ويبدأون بأنفسهم بما يدعون الناس إليه وإغفر لمن كتبنا عنها هذه الكلمات دون أن نعرفها أو تعرفنا إنك يا مولنا غفور رحيم وإنك على كل شيء قدير فارحم والدينا وبارك لنا بأعمارهم وزينها بطاعتك وأسبل عليهم ثوب الصحة والعافية وأعنهم على الحق واجعلنا وإياهم من أهلك وخاصتك وسائر أبناء المسلمين، وفي النهاية لم أجد أكثر من هذه الكلمات تعبيرا عن الحالة التي تحدثنا عنها لذلك أوردها دون أي تعليق:
أغرى امرئ يوما غلاما جاهلا
بنقوده كي ما ينال به الوطر
قال ائتني بفؤاد أمك يا فتى
ولك الجواهر والدراهم والدرر
فمضى وأغمد خنجرا في صدرها
والقلب أخرجه وعاد على الأثر
لكنه من فرط سرعته هوى
فتدحرج القلب المضرج إذ عثر
ناده قلب الأم وهو معفّـر
ولدي حبيبي هل أصابك من ضرر ؟
فكأن هذا الصوت رغم حنوه
غضب السماء على الغلام قد انهمر
فدرى فظيع جناية لم يجنها
ولد سواه منذ تاريخ البشر
فارتد نحو القلب يغسله بما
سالت بها عيناه من فيض العبر
ويقول يا قلب انتقم مني ولا
تغفر فإن جريمتي لا تغتفر
واستل خنجره ليطعن نفسه
طعنا فيبقى عبرة لمن اعتبر
ناداه قلب الأم كف يدا ولا
تطعن فؤادي مرتين على الأثر.