هل وزارة التربية ترسم خريطة تعليم جديدة في الأردن؟


المتتبع والمستطلع لأفكار وتطلعات وزارة التربية والتعليم المستقبلية هذه الأيام يجد دون أدنى شك أنها بصدد رسم خريطة تعليم جديدة في الأردن محورها الأساسي هو الطالب, مثل هذه الخريطة تُرسم على نار اقل من هادئة, وان معالم وحدود هذه الخريطة قد بدأت تتضح وتتشكل شيئا فشيئا, وبكل صراحة أقول أن متطلبات هذا العصر يُحتّم على جميع من يحملوا هذه الأمانة أن يرسموا خريطة تعليم جديدة تنسجم مع واقع ومستقبل وتطلعات هذا النشء الواعد, حيث متطلبات العصر.
أن سياسة رسم خريطة تعليم جديدة في الأردن تنسجمُ مع واقع ومستقبل وتطلعات هذا النشء الواعد تحتاج إلى جرعة قوية ومركزة من الجرأة, هذه الجرعة يجب أن تُأخذ وتستقر في أوردت وشرايين متخذو مثل هذا القرارات(تعليق الجرس), فالتغيير والتطوير والتحسين ربما يواجه بشيء من المقاومة أو المعارضة أو التصدي, والشيء المطمأن هنا أن رسم خريطة تعليم جديدة يتطلب مزيد التروي والتأني والتشاور وجمع البيانات بالأدوات الصحيحة والتحليل والربط والاستنتاج بمشاركة جميع الأطراف المعنية, وهذا ما يحصل حاليا بكل أمانة في تشكيل الخريطة الجديدة في صالونات وزارة التربية والتعليم.
الطفل/الطالب يمر بمؤسستين محوريتين في غاية الأهمية: أولهما مؤسسة الأسرة والتي يقودها الأبوين, هذه المؤسسة معنية بأول سبع سنوات من حياة الطفل وفيها ينبغي أن يتم بناء جوانب شخصية الطفل المتعددة, في هذه المؤسسة وفي نهاية هذه المرحلة يجب أن يكون الطفل قد امتلك ثلاثة مهارات رئيسية هي: مهارة الاستماع للطرف الأخر, ومهارة الحوار مع الآخر, ثم مهارة التفاوض مع الآخر, أما ثانيهما فهي مؤسسة المدرسة والتي يقودها المعلم, هذه المؤسسة معنية بسنوات تقع ما بين ( 8 – 16 ) من حياة الطالب لاكتمال وتكامل جوانب شخصيته المتعددة, في هذه المؤسسة وفي نهاية هذه الفترة الزمنية يجب أن يكون الطالب قد امتلك أيضا ثلاثة مهارات تكميلية رئيسية هي: مهارة الاستماع الجيد للمعرفة, ومهارة حوار الآخرين حول المعرفة, ثم مهارة تفاوض الآخرين حول المعرفة,..هاتين المؤسستين, مؤسسة الأسرة ومؤسسة المدرسة تكملان بعضهما البعض في هذا المجال بالذات, وان مؤسسة الأسرة هي التي يقع على عاتقها وضع حجر الأساس في بناء جميع جوانب شخصية الطفل( الجانب الاجتماعي, الجانب النفسي, , الجانب العاطفي,...), لتأخذ مؤسسة المدرسة فيما بعد على عاتقها كيفية التعامل مع المعرفة من خلال الاستماع والحوار والتفاوض.
وهنا اطرح جمله من التساؤلات الآتية: ما قيمة أن يتخرج طالب من إحدى المؤسستين وليس لديه مهارة احترام وتقبل الرأي والرأي الآخر حتى لو كان معدله 99٪؟ وما قيمة أن يتخرج طالب من إحدى المؤسستين وليس لديه مهارة حوار الأديان حتى لو كان معدله 100٪؟ ثم ما قيمة أن يتخرج طالب من إحدى المؤسستين وليس لديه مهارة التفاوض الايجابي مع شخص أخر وجد هاتفه النقال الذي كان ضائعا وطلب منه خمسين دينار مقابل إرجاعه له حتى لو كان معدله 98٪؟ لن ينجح هؤلاء الطلبة في حياتهم اليومية أو حتى العملية إن لم يكن لديهم مستوى عال من المهارات سابقة الذكر, ..يجب أن يمارس الطالب كسلوك منظومة قيم أو ما يعرف بمهارات رئيسية كـ(الاستماع, والحوار, والتفاوض) مع المعرفة التي يمتلكها, فالعالِم الذي يعمل في مختبر كيمائي ويمتلك معرفة تخصيب اليورانيوم وحاصل على جائزة نوبل إن لم يمتلك مهارة الحوار البّناء فانه سيدمر العالم ربما في ثوان, والجنرال العسكري الذي على أكتافه كل نجوم السماء إن لم يكن لديه مهارة الاستماع لجنوده العسكريين فانه حتما سيهزم في الساعات الأولى من المعركة.
لقد استطاعت وزارة التربية والتعليم هذه الأيام من خلال وزيرها الفاضل معالي الدكتور عمر الرزاز الوقوف على جميع هذه المعاني, والنظر إلى واقع التعليم في الأردن ثم بعد ذلك عقدت العزم بعد مزيد من المشاورات مع المعنيين على رسم معالم لخريطة تعليم جديدة في الأردن مقياس الرسم فيها (محور العملية التعليمية التعلمية) هو الطالب, مع وجود قناعات راسخة أن الطالب على خريطة التعليم الجديدة في الأردن يجب أن يكون (ناجحا) وليس (راسبا) ناجحا في مهارة الاستماع والحوار والتفاوض لـ ومع الآخرين حول المعرفة الصحيحة والحديثة والقابلة للملاحظة,..لقد كانت مشكلتنا في السابق هي الحصول على المعرفة, لكن وبوجود التكنولوجيا هذه الأيام لم يعد الحصول على المعرفة مشكلة قائمة لدينا الآن, فالمعرفة موجودة في هذا العصر في الفضاء, وبأداة من أدوات التكنولوجيا البسيطة يمكن أن نحصل بثوان على مثل هذه المعرفة, لكن التحدي الأكبر وهذا ما تطمح له وزارة التربية والتعليم وهو كيف يمكن أن نمّكن الطالب من توظيف هذه المعرفة واستثمارها وإعادة بناءها مصحوبة بمنظومة قيم إنسانية, وبمجموعة مهارات حياتية يتم غرسها عند هؤلاء الأطفال عن طريق مؤسسة الأسرة أولا, ثم مؤسسة المدرسة ثانيا.
نبارك خطوات وزارة التربية والتعليم في خريطتها التعليمية الجديدة في الأردن لتبنيها فكرة إلغاء مصطلح (راسب) من أدوات التقييم, وتثبيت مصطلح(ناجح) في أدوات التقييم, فــ(المعرفة) هذه الأيام متوفرة عند الطالب وليس شرطا لدى الطالب, وعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار هذا البعد(عند وليس لدى) عند إجراء عمليات التقييم, لكن وكما أسلفت سابقا التحدي الأكبر كيف يحاور الطالب(المعرفة) مع الآخرين,...يقول احد الفلاسفة الإغريق: أن تحاور طفلا حول فيتامين (أ) أفضل من أن تقدمه له كوجبة عشاء في ليلة ماطرة, ويقول عالم نفس أخر: باستماعك لطفل في الخامسة من عمره حتى نهاية حديثة تكون قد بنيت قائدا عسكريا محترفا, وتقول خبيرة تربوية أخرى: أن تتفاوض طالبة في الصف التاسع مع زميلتها في نفس الصف على تبادل مصروفها اليومي بمصروف زميلتها دون معرفتها بقيمة مصروف زميلتها أفضل لها من حفظ قوانين نيوتن الثلاثة في الحركة أو حتى تطبيقهما.
من هذا المنطلق فان وزارة التربية والتعليم معنية كل العناية بصياغة رؤية ورسالة جديدتين, تتمركزان حول تمكين الطلبة,..تمكينهم من مبادئ رسالة عمان التي تدعو إلى تعزيز ثقافة علاقة العبد بالله تعالى, وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان, ثم علاقة المسلمين بغيرهم (الآخر), من خلال الوسطية, والحوار, ونبذ العنف, وحوار الأديان, وقبول الآخر, والتعايش المشترك, وحسن الجوار, والعفو والتسامح, والأمن الشامل, وكلها متطلبات ضرورة لهذا العصر,..نعم من يمتلك هذه المبادئ فهو (ناجح) بكل المقاييس, إذا ما أضيفت للمعرفة.