اختراق الإعلام.. «العرب اليوم» مثلا
ما زالت العقلية المتحجرة تعتقد أنه من السهولة اختراق الإعلام والسيطرة عليه، من خلال رأس المال وتوزيعات صفحات إعلانية على شكل هبات وصفقات تجارية.
تلك العقلية تغفل الحراك الإقليمي والمحلي على حد سواء، وتجهل التغيرات الجذرية في بواطن عقول الشعوب، فلم تعد لغة الدبلوماسية أو عقود تحت الطاولة تجدي نفعا.
نفي مالك صحيفة العرب اليوم بيع الصحيفة لمستثمر لم تتضح معالمه بعد لا تكفي، إذ من المطلوب مزيد من التفاصيل حول الصفقة تمت أم لا وحيثياتها، على الأقل لتبديد الأرق الذي يعيشه موظفوها.
كنت من العاملين في تلك الصحيفة الغراء، وتشرفت بأن عشت أيام مناكفات حكومة عبد الرؤوف الروابدة، واحتاج العاملون في الصحيفة بدءا من رئيس تحريرها والمسؤولين فيها وكافة الكوادر سنوات لإزالة آثار تلك الحقبة المشؤومة.
لا يخفى كيف تعمل قوى خفية حكومية وغير ذلك في التدخل بالمسار الإعلامي، والأساليب والطرق فحدث ولا حرج، فهناك احتواء ناعم وهنالك ضغوط، حتى القوانين أصبحت تخدمهم بطرق مباشرة وغير مباشرة.
يستطيع أي رجل أعمال وحتى نائب وبارز ويمكن أن يكون مسؤول سابق رفيع الطراز أن يؤسس صحيفة خاصة، وله أن يحكم بها ما شاء على أساس العقود الموقعة مع من يرغبون العمل بها، أما الحصول على لقمة جاهزة وإعادة تدويرها لتتخذ شكلا مشوها فيما بعد فهذا خط أحمر.
في حال تأسيس وسائل إعلام يبدأ المشروع بكذبة كبيرة بعد استقطاب نخب إعلامية وأصحاب مهارات عالية، ليكتشفوا فيما بعد بأنهم أبواق للحكومة أو لمتنفذين ورجال أعمال.
ذلك يقود إلى التساؤل عن شكل العلاقة بين الحكومة ووسائل الإعلام التي يعمل على إخراجها وزير الدولة لشؤون الإعلام طاهر العدوان، وحجم القوة التي تمتلكها نقابة الصحفيين بمجلسها ورئيسها الجديد في الدفاع عن حقوق الصحفيين.
إذا يمكن القول إن الوقت مناسب -في ظل التغيرات المسارعة في المنطقة والإقليم وبروز مئات من المواقع الإخبارية، إضافة لإشاعات عن إطلاق مشروع إعلامي جديد- لإعادة تقييم أداء الإعلام ككل، وتحديدا وضع ضوابط جديد يكون من شأنها عدم مس هيبة الإعلام ونطاق حريته، وإلا ستدفع الثمن تلك العقول المتحجرة من جديد في وقت لاحق، كما فعلت في أزمة «العرب اليوم» السابقة.