الأردن بلدنا الأول والأردنيون يكتشفون ذواتهم


كان الشعب الأردني دوماً يتطلع خارج حدود الأردن ، مرة لسوريا شكري القوتلي أو سوريا البعث ، ومرة لعراق عبد الكريم قاسم أو عراق صدام حسين ، ومرة لمصر عبد الناصر ، وهكذا.


محطات النظر هذه لم تعد في الظروف الراهنة جاذبة للأردنيين وولاءاتهم السياسية ، ليس فقط بسبب بروز الوطنية الأردنية ، بل أيضاً لأن في سـوريا حالة لا يريد الأردنيون مثلها لأنفسهم ، ولأن عراق اليوم تحول إلى سـنّة وشـيعة وأكراد ومليشيات واحتلال ، ولم يعد عراق الأمس الذي عرفناه ، ولأن الناصرية تركزت حول شخص واحد وانتهت بغيابه ، والمناخ السياسي في مصر يشهد قـدراً من الانطـواء على الذات.

هذه الظروف الموضوعية جعلت الأردنيين الذين كانوا يتطلعون للخارج كتعبير عن إيمانهم بالعروبة ، يعودون سياسـياً إلى بلدهـم الثاني ، ليصبح بلدهـم الأول ، فالمقارنة اليوم تعمل لصالح الأردن ، فهو الأكثر حريـة وليبراليـة ، والأكثر انفتاحاً وتطـوراً اقتصادياً واجتماعياً ، والأكثر أمناً واسـتقراراً داخلياً ، والأكثر ديناميكية وحركة وفعالية.

لم يعد الأردنيون يريدون لبلدهم أن يكون نظيراً لبلد عربي آخر يلتحـق به ، بل لعل العكس هـو الصحيح ، فالأردن أصبح قـدوة يتطلع إليها الأشقاء الآخرون ، فيعقدون فيه مؤتمراتهم ، ويمارسون فيه حرياتهم ، ويتحركون فيه بأمان.

ليس من قبيل الصدفـة أن يفد إلى الأردن اليوم عشرات ومئات الآلاف من العراقيين والمصريين والسوريين ، بحثاً عن الأمن أو فرصة العمل والإنتاج ، وبذلك يصوتون للأردن بأقدامهـم.

هـذه فرصة تاريخية للأردنيين لكي يحولوا نهائياً أنظارهم من الخارج إلى الداخل ، ومن الغير إلى الذات ، وأن يجدوا أهدافهم وطموحاتهم في بلدهم الأول.

في عالم عربي مقسم إلى أقطار ، فإن القطر الأردني يستحق أن يقف في المقدمة ، وأن يقـوم بدور ضمير الأمة العربية والمعبّر عن طموحاتها ومواقفها.

شعار الأردن أولاً ليس دعوة للانغلاق عن العالم العربي ، أو التخلي عن دعم الفلسطينيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين ، بل دعوة لبناء قطر عربي أنموذج ليكون وطناً نهائيـاً بانتظار أن تتهيأ الظروف لقيام دولة الوحـدة العربية التي نحلم بها جميعاً.

الأردن بلدنا الأول ، والأردنيون يعيدون اكتشاف ذواتهم