إلا في الأردن!


كل يوم، عادة ما نسمع أن إحدى الشركات العالمية قررت سحب إنتاجها من السوق بعد اكتشافها خطأ مصنعيا، مثلما يحدث في السيارات والهواتف، أو إذا اشتكت عائلة من تسمم غذائي بعد تناولها حبة شوكولاه، أو إذا خلاط (قرط) أصبع إحدى السيدات. صحيح قد يكون السبب وراء قرط الاصبع هو انشغالها بمكالمة مع والدتها لتنقل لها خبرا عاجلا عن حماتها، وأن الحادث الأليم هو خطية لما نقلته من أخبار زائفة عن حماتها، وليس عيبا مصنعيا في الخلاط، الا أن الشركات المحترمة لا تعترف بالخطايا، بل تسارع فورا لسحب إنتاجها حفاظا على سمعتها وعلى سلامة المستهلكين!

بينما صاحب البقالة في حارتنا، لم أسمع منذ حرب الكرامة أنه استرد شيئا باعه لأي سبب كان، فمثلا لم يفكر ولو لمرة واحدة أن يسترد حتى الفقوس الذي باعه واكتشف لاحقا أن به مرارا، أو سارع لاسترجاع لبن مخيض أدركته الذاكرة بعد بيعه أن تاريخ إنتاجه يتزامن مع تولي الملقي رئاسة الحكومة. حتى حين باع علبة السمنة الذي عليها آثار حرب حزيران وتعتبر إرثا تاريخيا، لم يشعر بالندم مع أن قيمتها التاريخية أكبر بكثير من قيمتها الغذائية!
لم أشاهد صرصورا (عاقد الحاجبين) في حياتي إلا داخل علبة لبنة اشتريتها من هذه البقالة، ولأن ثقافة الشكوى لم تكن موجودة وكان الأهم هو فقط استرداد ثمن علبة اللبنة حتى لو كان بداخلها وحيد القرن، ذهبنا إليه ومعنا الصرصور الذي شعر بالانزعاج بعد أن أيقظناه من غفوته. أنكر صاحب البقالة معرفته المسبقة بوجود الصرصور، واعتبر أنه مدسوس وأنه شريك في المؤامرة الكونية على محله، وأن أيدي خفية أرسلته لضرب الاقتصاد الوطني. وأشار بأصابع الاتهام حينها الى إيران كونها سبب البلاوي في الأمة العربية!
وبعد حوار طويل رفض إعادة ثمن علبة اللبنة واكتفى بتبديلها، مع أنه في دول أخرى تحضر قوات مكافحة الإرهاب ولجان الغذاء والدواء والصحة، ويغلق المحل ويسجن صاحبه، بينما صاحب البقالة في الحارة أعاد بيع علبة اللبنة لجيراننا مستخسرا حتى اتلافها!
الشركات العالمية ورغم أنها تملك أحدث التقنيات الصناعية ومع ذلك يحدث في إنتاجها عيب مصنعي أو تلوث غذائي، ولا تخجل حين تسحب إنتاجها من السوق وتعتبر ذلك دعاية لها لتحافظ على مصداقيتها!
بينما في الأردن، ومنذ تأسيس الدولة، لم أسمع أن شركة سحبت إنتاجها لأي سبب كان، مع أن (بوط) أحد أبنائي بعد أول تسديدة للكرة أصبحت مقدمته بوسع مضيق هرمز، لم تأسف الشركة المصنعة، ولم أسمع أنها سحبت إنتاجها، وربما لليوم تبيع نفس المنتج الرديء على أنه بوط ميسي!!
مرعوب جدا، ففي يوم واحد أتلفت كوادر الرقابة الصحية في بلدية الرصيفة 2.5 طن جميد، وفي معان أتلفت البلدية طني أغذية فاسدة، وفي السوق المركزي أتلفت كوادر وزارة الزراعة 7 أطنان من البطيخ، وربما لو تحركت باقي البلديات للتفتيش لوجدت أطنانا أخرى بكل تأكيد!
ملفت للنظر أن حجم الجشع أصبح بالأطنان ولم يعد علبة لبنة (متعفنة)، والضمير الانساني (سلملي عليه)، والهتاف اليوم لتجار موت أكلوا البلد!