الأردن ما بعد الضربة الأمريكية

التهديدات ومحاولات التحرش بالمملكة تصاعدت بعد الهجوم الأمريكي على القاعدة الجوية في الشعيرات، والتي فتحت الباب لتكتيكات واستراتيجيات جديدة على رأسها خيار المنطقة الآمنة؛ مضيقة بذلك مساحة المناورة السياسية والعسكرية الى جانب الهواجس للقوى المسلحة والقوى الاقليمية والدولية المتصارعة، وخلقت تقاطعات خطيرة لابد من إدراجها في الحسابات الأمنية والسياسية؛ المواقف تعكس حقائق متغيرة على الارض لابد من الاشارة اليها عند تقييم تداعيات الهجوم الامريكي على الشعيرات على المملكة الأردنية والتي باتت تعمل على التعاطي معها بشكل يومي.

فالخارجية الأردنية استدعت السفير الإيراني في عمان احتجاجا على تصريحات الناطق باسم وزارة الخارجية الإيراني بهرام قاسمي؛ والتي وجه فيها انتقادات لاذعة للمملكة الأردنية على خلفية المقابلة الصحفية التي أجراها الملك عبد الله الثاني مع صحيفة الواشنطن بوست؛ الانتقادات والتوتر في العلاقة بين طهران وعمان لا يعد الاول من نوعه؛ فالانتقادات الإيرانية للموقف الأردني من الازمة السورية كان متقدما من الناحية الزمنية؛ وترتب عليه تأخر تعيين سفير في عمان؛ توتر عمّقه الموقف الأردني من الحرب اليمينة، وتصاعد مع اقتراب طهران من الحدود الأردنية عبر مليشياتها وحلفائها.
وبالرجوع الى تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية فان الأردن لن يقبل بتواجد الجماعات الارهابية بما فيها النصرة وداعش والمليشات الإيرانية بالقرب من حدوده؛ موحيا بامكانية تخليق منطقة آمنة في الجنوب السوري وبالتعاون مع الولايات المتحدة الامريكية؛ خصوصا وان المملكة تدرك مخاطر الحالة الأمنية المزمنة على حدوده الشمالية والتي استدعت من تركيا تدخلا واسعا في الشمال السوري في وقت سابق.
تحذيرات الملك من مخاطر الاستيطان والدور الإيراني في المنطقة وانعكاسه على تهيئة الاجواء والمناخ لمزيد من العنف في المنطقة بحسب ما اوردته صحيفة الواشنطن بوست، جاءت في سياق عام لطبيعة التوتر والازمة التي تعيشها المنطقة والاقليم وفي سياق الدور الإيراني المنغمس في أزمات الاقليم؛ الا ان الحسابات الإيرانية تتجاوز انتقاد التصريحات الملكية حول الدور الإيراني نحو امكانية انخراط أردني أوسع في الازمة السورية يماثل الدور التركي الى حد كبير وهو الهاجس الأساس لدى طهران.
التخوفات الإيرانية من الدور الأردني تمتد الى العراق وامكانية ان يسهم الأردن في رعاية الحوار الداخلي في العراق لتحقيق مصالحة وطنية؛ ترسم معالم الساحة العراقية الداخلية في أعقاب تقهقر داعش وهزيمتها؛ فإيران تخشى من الدور الأردني في سياق التحولات الجديدة في الموقف الامريكي والذي يضعف النفوذ الإيراني وقدرتها على فرض شروطها وتوظيف ادواتها السياسية والعسكرية.
ذات الاشكال الذي تواجهه طهران تواجهة داعش «تنظيم الدولة» الارهابي الذي تتقاطع مخاوفه الى حد ما مع الهواجس الإيرانية؛ وهي المخاوف من اتساع مساحة الدور الأردني والذي يهدد مصالح ونفوذ القوى المسلحة التي ترسخ نفوذها في سوريا على مدى الثلاث اوالخمس سنوات الماضية لحساب قوى اكثر اعتدلا وميولا نحو الوصول الى تفاهمات سياسية؛ ومن هنا جاءت تهديدات تنظيم الدولة للمملكة الأردنية؛ وهي بدورها ليست الاولى من نوعها.
التوتر مع طهران وتهديدات داعش تؤكد على ان التهديدات التي تواجه المملكة خارجية اكثر منها داخلية، مدعومة برغبة الاطراف المتصارعة في تخليق شروخ بالضغط على الحلقات الاستراتيجية الآخذة في التخلق اقليميا لمحاولة محاصرته او الحد من اندفاعتها؛ او إحباطها ما يرفع من مستوى التأهب لدى المملكة؛ فالمخاطر حقيقية والتهديدات تشترك وتتقاطع فيها مصالح العديد من الجهات الاقليمية والمسلحة في الاقليم، أمر عانت منه أنقرة في مرحلة سابقة على مدى العامين الماضيين.