جنة الغربة أم نار الوطن؟



 

جنة الغربة أم نار الوطن؟!

 

عندما تعصف بك ظروف الحياة ولا يتسع الوطن لفكرك وأمنياتك وتطلعاتك فتضطر إلى حزم حقائبك وذكرياتك وما بقي من كرامتك وتترك وطنك الذي ولدت وترعرعت بأحضانه بين اهلك وأحبابك وخلانك بحثا عن حياة أفضل في ظل وطن بديل يفتح لك أبواب الأمل نحو المستقبل ويمد لك ذراعيه ليضم طموحاتك وإبداعاتك!

 وتمضي الأيام وتبدع فيه ما لم تبدعه في وطنك وتتفيئ ظلاله وخيراته وتعيش عيشا رغدا طيبا هنيئا لكن السنون تمضي تقتات من أيام عمرك وكل يوم جديد يباعد بينك وبين وطنك وتذوي الكلمات وينمو جدار من الصمت بينك وبينه تنادي تصرخ بأعلى صوتك ولكن لا أحد يسمع ولا أحد يجيب فتتذكر قول الشاعر":لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي"!
تجد نفسك غريبا في وطنك وأنك في زمان هو بالتأكيد ليس زمانك مع أناس توقف بهم الزمن وتجمدوا هناك يحيون في كهوف مظلمة هم ارتهنوا للماضي لا يستطيعون الفكاك منه يعيشون حياة لا نبض لا إبداع فيها انقطعت صلتهم بالحاضر وبالتالي لا مستقبل لهم أو معهم هم يريدونك أن تعيش معهم في نفس الكهف المظلم تتنفس نفس الهواء الفاسد ويملأ الغبار رئتيك تردد معهم نفس الحكايات الباهتة لكنك عبثا تحاول!

نعم البعد عن أرضنا يذبحنا والحنين لترابه يعذبنا لكن الغربة هي الحل الأمثل عندما ينبذنا وطننا ويضيق صدره بطموحاتنا وأحلامنا ولا يُقَدِّر إبداعاتنا بل لا يحرك فؤاده حبنا له وعشقنا لثراه الطاهر عندئذ تجبرنا كرامتنا على البقاء في ذلك الوطن الذي تبنانا والذي لا يعرف للفوضى مكانا - فالتنظيم له منهجا وعنوانا- مستذكرا قول أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه "الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن "!

 لكن يبقى طعم الغربة مرا علقما عالقا في فمك تحس أنك في مكان ما بجسدك بينما روحك ووجدانك وقلبك في مكان آخر وتعيش تغالب الشوق تارة ويغالبك الحنين تارة أخرى للوطن للأهل والأحبة لذكريات خَلَّتْ وتكون على يقين تام بأنك ستعود يوما ما إلى وطنك ضاق بك  أم اتسع تعود إلى أحضان الأم الحقيقية التي أنجبتك فهو الأجمل والأطهر!

إن الحديث عن هذا الموضوع ذو شجون وآلام وما من شك أن الوطن عزيز وحبه يسري بعروقنا ودليل ذلك أن كثيرا من المغتربين يوصون قبل مماتهم أن يدفنوا بوطنهم وطبعا هذا لا يحتاج إلى تفسير ورحم الله الشاعر حين قال" :بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنّوا عليّ كرام"!

نعم من الجميل أن تنتمي إلى وطن ولكن الأجمل أن يتسع الوطن لأفكارك وطموحاتك!

 

                                                       هنادي علي أبو الراغب

Hanadi_abualragheb@yahoo.com