الملك : لا احتكار للإصلاح ..وإطلاق حياة برلمانية تقوم على التعددية وحكومات ذات برامج يؤسس لفصل السلطات وتفعيل المشاركة الشعبية عبر مجالس الم
- أكد جلالة الملك عبدالله الثاني أن "رؤيتنا" الإصلاحية لأردن المستقبل تكمن في ترسيخ الديمقراطية والمشاركة الشعبية نهجا ثابتا، لتعزيـز بناء الدولة الأردنـية، التي يكـون العدل غايتها، والتسامح رسالتها وحقوق الإنسان هدفها.
وقال جلالته إن الإصلاحات السياسية في هذه المرحلة ستنطلق من توصيات لجنة الحوار الوطني التوافقية نحو قانوني الانتخاب والأحزاب، لضمان إنجاز قانون انتخاب عصري يقود إلى مجلس نواب يكون ممثلا لجميع الأردنيين. وأضاف جلالته، في خطاب وجهه إلى شعبه الأردني بمناسبة احتفالات المملكة بذكرى الثورة العربية الكبرى، ويوم الجيش، وعيد الجلوس الملكي، وبثه التلفزيون الأردني مساء اليوم، "إننا نتطلع إلى آلية تقود إلى برلمان بتمثيل حزبي فاعل، مما يسمح في المستقبل بتشكيل حكومات على أساس الأغلبية النيابية الحزبية".
وأكد جلالته أهمية تنفيذ مخرجات عملية الحوار وتوجيه الحكومة لإجراء الانتخابات النيابية القادمة على أساس القوانين السياسية التوافقية الناتجة عن هذا الحوار، لتحقيق المزيد من العدالة في التمثيل، وتحفيز مشاركة الأحزاب الوطنية بالانتخابات النيابية بحرية وفاعلية.
وبين جلالته أن "التوافق الوطني والمشاركة الشعبية، وعدم احتكار أي مجموعة للمشهد الإصلاحي، أو فرض شروطها على الآخرين هو الذي يعزز النهج الإصلاحي، الذي لا حاجة معه إلى استرضاء أحد، ولا الـخضوع لشروط أي تيار، ما دمنا متفقين على جوهر الإصلاح".
وشدد جلالته على أن "الشعور والقناعة بالانتماء لهذا الوطن، هو الذي يحدد الهوية الوطنية للإنسان، ويحدد حقوق المواطنة وواجباتها، بغض النظر عن خصوصية المنابت والأصول، أو المعتقدات الدينية، أو التوجهات الفكرية والسياسية"، وقال "إننا جميعا على هذه الأرض الطاهرة، أسرة واحدة، مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، ولا فضـل لأحد على الآخر إلا بما يعطي لهذا الوطن". وأكد جلالته مجددا "أننا عازمون على محاربة الفساد بكل أشكاله"، لكنه حذر من إطلاق الاتهامات بالفساد لغايات اغتيال الشخصية، والنيل من الأبرياء، وتشويه سمعة الوطن. كما حذر جلالته من "هبوط الخطاب السياسي والإعلامي الذي يطلق مشاعر الكراهية ويمس بحرية وكرامة الأردنيين ووحدتهم الوطنية"،
وقال "إننا نريد للإعلام أن يحمل رسالة الحرية والإصلاح وأن يسهم في تعظيم انجازات الوطن وصون الوحدة الوطنية". وفيما يلي نص خطاب جلالة الملك: بسم الله الرحمن الرحيم أبناء وبنات شعبي العزيز، نشامى ونشميات الوطن الغالي، أيها الإخوة والأخوات الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أتوجه إليكم اليوم، ونحن نحتفل بذكرى الثورة العربية الكبرى، ويوم الجيش، وعيد الجلوس على العرش، ونراقب الأحداث والتحولات التي تشهدها المنطقة، وهذا يتطلب منا التمييز الواعي بين التحولات الديمقراطية المطلوبة والممكنة، وبين أخطار الفوضى والفتن.
ونحن في الأردن، يجب أن نميز بين التحولات الديمقراطية تجاه الإصلاح، وبين توظيفها لخدمة بعض الأجندات الحزبية أو الفئوية خارج السياق العام، والرؤية الشمولية لعملية الإصلاح.
فالحرص على الإصلاح في الأردن ليس حكراً على أحد، ونحن أصحاب مسيرة طويلة مع الإصلاح، الذي كان على الدوام في مقدمة أولوياتنا. فقد دعوت إلى الإصلاح والتحديث، منذ أن تسلمت أمانة المسؤولية، وعملت بكل الوسائل، من أجل إحداث الإصلاح والتغيير. واليوم نعلن في هذه المناسبة رؤيتنا الإصلاحية لأردن المستقبل، الذي تترسخ فيه الديمقراطية والمشاركة الشعبية نهجاً ثابتا، لتعزيـز بناء الدولة الأردنـية، التي يكـون العدل غايتها، والتسامح رسالتها وحقوق الإنسان هدفها، حيث لا تطرف ولا تعصب ولا انغلاق، بل حالة من الديمقراطية والتعددية والمشاركة، وذلك عبر خطوات سياسية إصلاحيـة سريعة وملموسة، تستجيب لتطلعات شعبنا في الإصلاح والتغيير، بعيدا عن الاحتكام إلى الشارع وغياب صوت العقل. إننـا نستلهم اليـوم إرث ثورة العرب الكبرى، ورسالتها في الحرية والعدالة والتسامح وكرامة الإنسان. وهذه المناسبة العزيزة علينا لا بد أن تذكرنا جميعا بمبدأ المواطنة الذي نلتقي حوله، كما التقى الأردنيون من سائر منابتهم وأصولهم على ثرى الوطن وأسسوا دولتهم، وصاروا كلهم بنعمة الله إخوانا.
ولا بد من الاتفاق على أن الشعور والقناعة بالانتماء لهذا الوطن، هو الذي يحدد الهوية الوطنية للإنسان، ويحدد حقوق المواطنة وواجباتها، بغض النظر عن خصوصية المنابت والأصول، أو المعتقدات الدينية، أو التوجهات الفكرية والسياسية.
وعلى ذلك، فنحن جميعا على هذه الأرض الطاهرة، أسرة واحدة، مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، ولا فضـل لأحد على الآخر إلا بما يعطي لهذا الوطن. ولا بد من التأكيد هنا على أن مسؤوليتي وواجبي تفرض عليّ أن أقف على مسافة واحدة من الجميع، فرب الأسرة لا ينحاز لأي فرد أو مجموعة من أسرته، ولا يميز طرفا على آخر، فأنا منكم ولكم جميعا، محبة وعطـاء دون تمييز ولا استثناء.
واليـوم نعلـن رؤيتنا للأردن الذي نريد، لتكون المنارة التي يلتف حولها الأردنيـون لاستكمال مسيرتهم، في ظل دستورهم ونظامهم النيابي الملكي الراسخ، القائم على الفصـل بين السلطات، ومسؤولياتها أمام الأمة، باعتبارها مصدرا دائما للسلطات. وفي تفصيل هذه الرؤية، وحول الإصلاحات السياسية تحديدا، نقول إننا سننطلق من توصيات لجنة الحوار الوطني التوافقية نحو قانوني الانتخاب والأحزاب، بحيث تكون ممثلة لطموح الأردنيين، وتضمن إنجاز قانون انتخاب عصري يقود إلى مجلس نواب يكون ممثلا لجميع الأردنيين، وموضع ثقتهم في الحفاظ على حقوقهم وتحقيق تطلعاتهم.
وينبغي لهذا القانون أن يضمن النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية، وضمن آلية تقود إلى برلمان بتمثيل حزبي فاعل، مما يسمح في المستقبل بتشكيل حكومات على أساس الأغلبية النيابية الحزبية وبرامج هذه الأحزاب.
وممارسة ذلك عمليا تلتقي مع الـمراجعات الدستورية، التي تضعها اللجنة الملكية، التي كلفناها مؤخرا بالنظر في أية تعديلات دستورية ملائمة لحاضر الأردن ومستقبله، لتنفيذها وفق قنوات التعديل الدستوري من أجل ضمان مؤسسية العمل الديمقراطي النيابي التعددي، وهو عماد العملية السياسية في الأردن. لقد بدأت مسيرة الإصلاح عمليا بإطلاق اللجنة الوطنية للحوار نقاشا وطنيا متوازنا، ينهي الاعتقاد باحتكار الإصلاح من قبل أي جهة كانت.
وأؤكد على الجدية في تنفيذ مخرجات عملية الحوار هذه، من خلال توجيه الحكومة لإجراء الانتخابات النيابية القادمة، على أساس القوانين السياسية التوافقية الناتجة عن الحوار لتحقيق المزيد من العدالة في التمثيل، وتحفيز مشاركة الأحزاب الوطنية بالانتخابات النيابية بحرية وفاعلية، ووصول أعضائها إلى مجلس النواب، ليتمكنوا من المشاركة في الحكومات على أساس البرامج الحزبية ونسبة تمثيلها في مجلس النواب، وذلك كله في إطار التعددية، والإيمان بالديمقراطية النيابية في سائر الأوقات والظروف.
إن التوافق الوطني والمشاركة الشعبية وعدم احتكار أي مجموعة للمشهد الإصلاحي، وفرض شروطها على الآخرين هو الذي يعزز النهج الإصلاحي، الذي لا حاجة معه إلى استرضاء أحد، ولا الـخضوع لشروط أي تيار، مادمنا متفقين على جوهر الإصلاح. وفي ذات الإطار، نؤكد توجيهنا الحكومة لتنظيم انتخابات بلديـة جديدة وفق قانون جديد، يضمن تمثيلا أكبر للمجتمعات المحلية بهدف خدمة المواطنين، بشكل أكثر كفاءة ونزاهة، كمرحلة أساسية في تنفيذ خطة اللامركزية الأوسع، والتي تقوم على إنشاء مجالس المحافظات، حتى تزيد من المشاركة الشعبية في صنع القرارات، وتحديد الأولويات التنموية المحلية. وفي مجال الإصلاح الاجتماعي، فإننا نؤكد أهمية الإسراع في العمل من أجل رفع كل أشكال التمييـز ضد المرأة في المنظومـة التشريعيـة، مـن خـلال المؤسسات السياسية والتمثيلية، الناتجة عن رؤيتنا الإصلاحية للأردن الجديد.
أما نهجنا في مكافحة الفساد، فنحن عازمون على محاربة الفساد بكل أشكاله، ونحن نرحب بكـل الرؤى التي من شأنها مأسسة دور هيئة مكافحة الفساد، وتمكينها من البـت في كل الشبهات بشكل سريع، وتحفيزها علـى فتح قنوات التواصـل والحـوار، لاستقبال أي شكاوى أو اتهامات بالفساد، وإطلاع الناس بشكل دوري على نتائج أعمالها، بما لا يؤثر على سير العدالة، ويقطع الشك والإشاعات باليقين. وأؤكد هنا أن التعامل مع الفساد على أساس الإشاعات والأقاويل، على حساب التصدي له، من خلال القضاء والمؤسسات الرقابية الفاعلة يشوه سمعة الأردن إقليميا وعالميا، ويؤثر سلبا على جذب الاستثمارات.
وعلى ذلك، فمن الضروري إيجاد آلية قانونية للتعامل مع من يطلقون الاتهامات بالفساد والإشاعات الكاذبة، لاغتيال شخصية الكثير من الشرفاء والأبرياء وتشويه سمعتهم، بغير وجه حق، ولا خلق ولا ضمير.
الإخوة والأخوات، لقد أثبتـت التطورات والتحـولات الإقليميـة الأخيرة أهمية الإعلام في الحفاظ على العلاقة بين مؤسسات الدولة والمجتمع، عبر الانفتاح على جميع الآراء والمواقف، ليكون الجميع على ثقة أن وجهة نظره مسموعة، وأن الخطـأ مرصود ومراقب، وهذا يتطلب تغيـير الممارسات التي ساهمت في تراجع الإعلام.
فنحن نريد للإعلام أن يحمل رسالة الحرية والإصلاح، وأن يسهم في تعظيم إنجازات الوطن، وصون الوحدة الوطنية، وعلاقة الأردنيين بعضهـم ببعض وعلاقتهم بالدولة، على أساس المواطنة القائمة على العدالـة واحتـرام القانون، وضمان الحريات العامة وكرامة الإنسان. وأريد هنا أن أحذر من هبوط الخطاب السياسي والإعلامي، الذي يطلق مشاعر الكراهية، ولن أقبل أي مساس بحرية الأردنيين أو كرامتهم، أو وحدتهم الوطنية، مع التأكيد على رفض الفوضى التي تقود إلى الخراب. ولا بد أيضا من التأكيد على أهمية الإصلاحات الاقتصادية باعتبارها محورا أساسيا للرؤية الشمولية، وفي مقدمتها الإصلاحات الضريبية لتحقيق العدالة الاجتماعية، ورفع مستوى التنافسية، وتعزيز المناخ الاستثماري، وإيجاد فرص العمل للشباب، ومحافظة الدولة على دور رقابي فاعل في اقتصاد السوق الحر، الذي يسهم فيه القطاع الخاص بدور رئيسي في مجالات الإنجاز والإبداع.
أما رؤيتنا لواقع الشباب فتركز على الحوار، كآلية وطنية ثابتة بين الدولة والشباب، وبين الشباب أنفسهم، لإطلاعهم على المشاكل والتحديات، وإيصال صوتهم.
فمن حق أغلبية الحاضر والمستقبل أن يكون لهم دور في رسم الأولويات الوطنية وتنفيذها، وذلك من خلال ربط مخرجات الملتقيات الشبابية بمؤسسات صناعة القرار ورسـم السياسات، حتى يلمس الشباب أثـر نشاطهم وحراكهم السياسي المباشر. أبناء وبنات شعبي العزيز، نحـن في أمس الحاجة لتفعيل البرنامج الإصلاحي، والإسراع في تنفيذه، فنحن ماضون في مسيرة الإصلاح والتحديث والتنمية الشاملة، ضمن منظومة الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص، فلا تأجيل ولا تردد في التعامل مع ملفات الإصلاح والحرية والديمقراطية. إنني أدعو جميع القوى السياسية والمجتمعية إلى اعتماد هذه المبادرة والبناء عليها، وترجمتها إلى خطوات فورية تجاه العمل الوطني المسؤول لتحقيق رؤيتنا لأردن المستقبل، الأردن الذي يليق بطموحات الأردنيين، وعزمهم في مواجهة التحديات. ولا بد في هذه المناسبة من أن أتوجه بالشكر والتقدير لأخي خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبد العزيز، وإخواني قادة دول مجلس التعاون الخليجي على ترحيبهم بانضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي.
وكل عام وأنتم والأردن العزيز الغالي بألف خير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.